الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح هو عامر بن عبد الله بن الجراح أمين هذه الأمة وأحد السابقين الأولين إلى الإسلام، حيث أسلم بعد إسلام سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه مباشرة، وأحد الخمسة الذين أسلموا في يوم واحد على يد الصديق، وهو من العشرة الذين بشرهم رسول الله ﷺ بالجنة، ومن أوائل الذين آمنوا بالمبادئ الإسلامية وحملوا راية الإسلام عالية خفاقة يدعون الناس إلى الحق وطريق الثواب.
نشأة أبو عبيدة بن الجراح
- هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر.
- وأمه أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامرة ابن عميرة.
- نشأ أبو عبيدة في مكة، واشتهر بنسبه إلى جده، فيقال: أبو عبيدة بن الجراح.
- فهو قرشي الأبوين.
- وكان أبو عبيدة رجلًا نحيفًا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالًا، أجنأ، أثرم الثنيتين.
إسلام أبو عبيدة بن الجراح
- قال يزيد بن رومان: انطلق عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول الله ﷺ، فعرض عليهم الإسلام وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول رسول الله ﷺ دار الأرقم بن الأرقم.
- ثم هاجر أبو عبيدة بن الجراح إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وآخى رسول الله ﷺ بينه وبين سعد بن معاذ.
زهد أبو عبيدة بن الجراح
من المواقف التي تدل على زهده رضي الله عنه عندما أرسل عمر بن الخطاب إليه أربع آلاف دَرْهم وأربعمائة دينار وقال للرسول: انظر ما يصنع قال فقسمها أبو عبيدة، قال ثم أرسل إلى معاذ بمثلها، وقال للرسول مثلما قال، فقسمها معاذ إلا شيئًا، قالت امرأته: نحتاج إليه فلما أخبر الرسول عمر رضي الله عنه، قال: الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا.
حسن خلق أبو عبيدة بن الجراح
من المواقف الدالة على خلقه رضي الله عنه ما رواه موسى بن عقبة، حيث قال: أمر النبي ﷺ عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، وهي على مشارف الشام، فخشى عمرو، فبعث يستمد فندب النبي ﷺ الناس من المهاجرين الأولين فانتدب أبو بكر وعمر في آخرين فأمر عليهم أبا عبيدة مددًا لعمرو بن العاص، فلما قدموا عليه، قال: ألا أنا أميركم، فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك وأبو عبيدة أمير المهاجرين، فقال: إنما أنتم مددي، فلما رأى ذلك أبو عبيدة وكان حسن الخلق متبعًا لأمر رسول الله ﷺ وعهده، فقال: تعلم يا عمرو أن رسول الله ﷺ قال لي: إن قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنك إن عصيتني أطعتك.
أعظم مواقف أبو عبيدة بن الجراح
- لم يتخلف أبو عبيدة عن أية غزوة، وكانت له مواقف عظيمة من البطولة والتضحية، ففي بدر رأى أباه في صفوف المشركين فابتعد عنه، بينما أصر أبوه على قتله، فلم يجد الابن مهربًا من التصدي لأبيه، وتقابل السيفان، فوقع الأبُ المشرك قتيلًا بيد ابنه الذي آثر حب الله ورسوله على حب أبيه.
- ومن مواقفه العظيمة أيضًا موقفه يوم أحد، حينما كان يقاتل وعيناه على رسول الله ﷺ، يطمئن على ألا يصيبه مكروه، وكانت له ردة فعل عجيبة حينما رأى سهمًا مصوبًا نحو النبي ﷺ، يرويها أبو بكر الصديق فيقول: “لما كان يوم أحد، ورمى رسول الله ﷺ حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى إلى رسول الله ﷺ، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانًا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى إذا توافينا إلى رسول الله ﷺ، وإذا هو أبو عبيدة بن الجراح قد سبقني، فقال: أسالك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله ﷺ، فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيته معه، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم”.
- ومن المواقف العظيمة أيضًا موقفه رضي الله عنه عندما وفد على الرسول ﷺ نفر من أكابر أهل نجران، يحاجونه وهم على المسيحية، ورغم يقينهم واعترافهم بنبوته رأوا أن يبقوا على ضلالهم، وطلبوا أن يبعث معهم رجلًا من أصحابه يحكم بينهم في أشياء اختلفوا فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: لأبعثن إليكم رجلًا أمينًا حقٌ أمين، فقال سيدنا عمر بن الخطاب في هذا: ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذٍ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجرًا، فلما صلى رسول الله ﷺ الظهر سلم، ثم نظر على يمنيه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه: “اخرج معهم، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه” فكان هو أمين هذه الأمة، وكما روى الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقد قال رسول الله ﷺ: “إن لكل أمة أمينًا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح”.
مكانة أبو عبيدة بن الجراح
لقد كان لأبي عبيدة بن الجراح مكانة عظيمة عند رسول الله ﷺ وعند الخلفاء الراشدين من بعده، ومن المواقف التي تؤكد مكانته الجليلة ما يلي:
- من المواقف التي تؤكد مكانة أبو عبيدة الكبيرة عند رسول الله ﷺ أنه بعد أن أرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه في غزوات ذات السلاسل، أمده بقوة إضافية من المهاجرين الأولين، فيهم أبا بكر وعمر وآخرين، لكنه أمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح.
- أما بالنسبة لأبي بكر الصديق فقد رأى فيه الخليفة الأفضل، وقال يوم السقيفة: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين؛ يعني عمر وأبا عبيدة.
- وأيضًا قد بعث أبو بكر الصديق بعد توليه الخلافة يقول: هلم حتى استخلفك، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: “إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة”، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: ما كنت لأتقدم رجلًا أمره رسول الله ﷺ أن يؤُمنا.
- وكان الفاروق رضي الله عنه يكره مخالفته فيما يراه، وكان يقول: “لم أكن مغيرًا أمرًا قضاه أبو عبيدة”، وتتردد دائمًا مقولته الشهيرة عند رجوعه خوفًا من الطاعون:” لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله”، وفي الخاطر أمنيته التي رددها: “لو كنت متمنيًا، ما تمنيت إلا بيتًا مملوءًا برجال من أمثال أبي عبيدة”.
وفاة أبو عبيدة بن الجراح
- توفي أبو عبيدة رضي الله عنه في طاعون عَمَواس بالأردن سنة 18هـ عن عمر يناهز 58 عامًا.
- وعند وفاته رضي الله عنه خطب معاذ بن جبل فقال: أيها الناس: إنكم فجعتم برجل والله ما رأيت من عباد الله قط أقل حقدًا، ولا أبر صدرًا، ولا أبعد غائلة، ولا أشد حياءً للعاقبة، ولا أنصح للعامة منه، فترحموا عليه.
- رحم الله تعالى أبا عبيدة الذي ترك لنا مثالًا يُحتذى به في الجهاد ونصرة الإسلام، فكان من الذين ضحوا بكل نفيس وغالي في سبيل دعم الدعوة المحمدية.
وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية المقال، والذي تطرقنا فيه إلى الحديث عن الصحابي الجليل أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح وتعرضنا لبعض من مواقفه العظيمة في سبيل إعلاء كلمة الحق ونشر الدعوة الإسلامية، فسلام على أبي عبيدة يوم أسلم وسلام عليه يوم جاهد وسلام عليه مع الخالدين.
اقرأ أيضًا: