ابن سينا المعجزة التاريخية التي أدهشت المؤرخين والعلماء، كان مفكرًا عظيمًا، وطبيبًا جليل القدر، فلم يكد يبلغ العشرين عامًا حتى اتجه نحوه الملوك والأمراء باحثين عن علمه وفضله، راغبين في أن يستطبوا بطبه، كتب ابن سينا ما يقارب 250 مؤلفًا بين كتب ورسائل وقد تنوع نتاجه، وتميز بالدقة العلمية والموسوعية، جمع في نتاجه فكر الأقدمين، وحصيلة تجاربه وتأملاته واستنتاجاته.

ابن سينا

  • هو أبو علي الحسن بن عبد الله بن الحسن بن سينا، ولد سنة 370هـ (980م).
  • يعتبر ابن سينا مركزًا طليعيًا بين “المشاهير من علماء العرب والإسلام” لأنه احد عباقرة التراث الخالدين الأكثر بروزًا في سائر حقول المعرفة في الثقافتين الأصيلة والدخيلة، في العديد من العلوم اللسانية والشرعية والعقلية، في الفلسفة والرياضيات والفلك والمنطق فضلًا عن اهتمامه بالعلوم الطبيعية جامعًا بين الكيمياء والفيزياء وبين علم النبات والصيدلة.
  • وقد رغب ابن سينا في دراسة الطب فعكف على قراءة الكتب الطبية والإمعان في مسائلها حتى برز في ميدان “الطبابة” خلال مدة قصيرة وأصبح صاحب رأى في هذا الحقل يضارع فيه فضلاء الأطباء وأساتذتهم.
  • لقد برز ابن سينا في ثقافته الطبية وهو دون السادسة عشر من عمره حتى راح فضلاء الطب يقرؤون عليه هذا العلم. كذلك اختلف إلى الفقه وناظر فيه وهو في هذا العمر وأكب على المنطق وسائر أجزاء الفلسفة.
  • لقد تبوأ ابن سينا مكانًا مرموقًا في العلم، ولا سيما في علم الطب وعلم النفس، وقد أضاف الكثير إلى هذه العلوم مما استحدث عنده.
  • وقد كتب ابن سينا في الطبيعيات والهندسة والرياضيات والكيمياء وغيرها.

ابن سينا (شخصيته العلمية)

قام ابن سينا بالعديد من الأبحاث التي اكتشف من خلالها العديد من الاكتشافات في مختلف المجالات، وذلك على النحو التالي:

  • في علم الصوت

أصاب ابن سينا في بحث (أسباب الصوت) فمن أسبابه كما ذكر في “الشفاء”:

  1. انفصال شيئ عن الآخر.
  2. كذلك اصطدام جسمين صلبين الواحد بالآخر.

ففي هاتين الحالتين يحصل اندفاع للهواء بسبب “التفريغ” يؤدي إلى حركة من التموج بانتهائها إلى “صماخ” الأذن يتم الإحساس بالصوت.

وما قاله ابن سينا يشكل الأساس والمبدأ الذي قام عليه علم الأصوات حديثًا، لأن ابن سينا ربط بين حركة التموج وحاجة هذه الحركة إلى أجزاء معينة من الزمن للوصول إلى السمع.

  • في علم آلة الإبصار

تناول ابن سینا شرحًا مسهبًا لتكوين “العين” وتعداد أجزائها ضاهي في الكثير مما ذهب إليه معاصره ابن الهيثم ففي كتابه “القانون” أشار إلى “مقلة” العين و “الحدقة”. فالمقلة: هي عبارة عن كرة ذات مادة شحميه بيضاء، وحدقتها هي أيضًا كرة أصغر من الأولى يمكن تسميتها ب “العنبية” لأنها بشكل حبة العنب وان اختلفت لونا من عين إلى أخرى. ويتابع ابن سينا تعداد أجزاء العين فيشير إلى ما تنطوي عليه الحدقة من طبقات متوالية ومختلفة في رطوبتها وكثافتها. كالرطوبة البيضة التي تليها الجليدية وسميت لذلك لأنها شبيهة بالزجاج. فعملية الإبصار لا تتم إلا بالضوء أو اللمعان. فالضوء هو ذاك اللمعان الذاتي، أي الصادر عن جسم مضيء بذاته مثل ضوء الشمس، أما اللمعان فهو النور منعكسًا عن سطح ولامع مثل سطح القمر.

  • في علم الكيمياء

كان اهتمام ابن سينا بالكيمياء مرتبطًا ولا ريب بدراساته في الطب وحاجاته إلى العقاقير والأدوية في علاج المرض، ولم يقتصر ابن سينا على تحضير الأدوية من الأعشاب والنباتات فحسب، بل رأى في الكيمياء مجالًا خصبًا لذلك، تشير المراجع القديمة إلى أنه كان يعني بالعديد من الطرق الكيماوية ومنها عمليات التقطير والتصعيد والترشيح والتشميع والاستخلاص والتذويب.

  • في علم النبات

وجه ابن سینا اهتمامًا خاصًا للنباتات الطبية، ووصفها وصفًا دقيقًا وأجرى مقارنه بينها، فدرس جدر النباتات وأوراقها وأزهارها وثمارها، وعلاقاتها ببعضها البعض.

درس النباتات العشبية والزهرية والفطرية والطحلبية، وعلق عليها، جافة وطرية ذات أوراق عريضة وإبرة، جمعها في أجناس وأنواع، واكتشف المتجانس والمتنافر ودرس التربة والمناخ والغذاء.

قال ابن سينا عن النبات في كتابه “الشفاء”: من النبات ما هو مطلق، وهو القائم على ساقه، هو حشيش مطلق، وهو الذي ينبسط على الأرض، ومن النبات ما هو بقل مطلق، وهو الذي لا ساق له أصلًا مثل الخص، ومن النبات ما هو شجر حشيش، وهو الذي ليس له ساق منتصب وساق منبسط على الأرض، أو الذي يتكون ويفرع من أسفل مع انتصاب كالقصب أو الحشائش العظيمة وعشبية، فمنه الذي لا تورق من أسفله، وله مع ذلك ساق كالملوخية.

واهتمام ابن سينا بالنباتات الطبية كان لاستخراج الأدوية التي يحتاجها المرض، وقد نجح في هذا الحقل أيضًا، فعمل في الكيمياء والصيدلة ما وفر للعلماء خبرة ومعلومات اعتمدوا عليها طويلًا.

  • في علم الطب

أبرز مآثر ابن سينا في الطب هي “القانون في الطب” أكبر شاهد على عظمة الطب الإسلامي، هذا الكتاب يستخدم بصفة مصدر إجباري في كل الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر الميلادي، وفى الكتاب الأول من “القانون” يأتي الموضوع الرئيسي، وهو علم التشريح ووظائف الأعضاء، نجد وصفًا دقيقًا لجميع الظواهر المرضية التي تتضح نتيجة لدراسة وظائف الأعضاء وما يمكن أن يعطل هذه الوظائف، ولقد كانت معرفة ابن سينا بعلم التشريح مثار دهشة وإعجاب.

طرح ابن سينا في الفن الأول من الكتاب الأول من (القانون مفهومه الأساسي من الصحة والمرض)، ولن نستطيع أن نستوعب آراءه في علم التشريح دون فهم حقيقي لهذا المفهوم. وعن أسباب الصحة والمرض قال ابن سينا أنها أربعة مادية، وفاعلية، وصورية، وتمامية.

الكتاب “القانون في الطب” هو كتابًا مشتملًا على قوانينه الكلية والجزئية، يبين فيه الأمور العامة في الطب، حيث يقسم الطب النظري والعملي، ثم يشرح في الكليات أحكام قُوَى الأدوية المفردة ثم في جريئاتها.

يقسم ابن سينا هذا الكتاب إلى (خمسة) أقسام:

  • الكتاب الأول: في الأمور الكلية في علم الطب.
  • الكتاب الثاني : في الأدوية المفردة.
  • الكتاب الثالث: في الأمراض الجزئية الواقعة بأعضاء الإنسان عضو، عضو من الفرق إلى القدم ظاهرها وباطنها.
  • الكتاب الرابع: في الأمراض الجرئية التي إذا وقعت لم تختص بعضو في الزينة.
  • الكتاب الخامس: في تركيب الأدوية وهو الأقراباذين.

إن ابن سينا يعتبر في عصره أول من جعل الطب بعيدًا عن الخرافة والشعوذة مرتبطًا بالسببية العلمية، وقد قال: ليس هناك أمراض لا أسباب لها.

وفي تجربته أسباب المرض ركز على أثر العدوى في انتقال العلل، وأوضح ما للماء والأتربة من دور كبير في شفاء الأمراض. وأول مبدأ من مبادئ العلاج في نظر ابن سينا، اكتشاف علة المرض ومحاولة تجنبها للحول دون حدوث المرض وهذا ما يسميه ابن سينا الوقاية من الأدواء بتجنب مسبباتها، مؤكدًا أهمية الوقاية في حفظ صحة الأفراد والجماعات على حد سواء.

اكتشف ابن سينا عدد من الأمراض:

  • فهو أول من وصف التهاب السحايا مميزًا بين نوعين من هذا الالتهاب السحايا الأولى، والسحايا الثانية.
  • وهو أول من وضَّح أسباب اليرقان والعلل التي تسببه.
  • وقد ميز ابن سينا أيضًا بين نوعين من الشلل: الداخلي الذي سببه في الدماغ، والخارجي وهو خلاف الأول.
  • وكان ابن سينا كثير العناية بحبس النبض في التوصل إلى معرفة العلة وتشخيصها مؤكدًا تحكم الحالة النفسية بمدى انتظام النبض وسرعته.
  • اكتشاف مرض “الإنكلوستوما” المتصل بنوع من الديدان المعوية، وهو الدودة المستديرة.
  • وهو أول من خالف النَّظْرَة اليونانية باعتباره السكتة الدماغية نتيجة زيادة في كَمّيَّة الدَّم وارتفاع الضغط.
  • كذلك أظهر ابن سينا الفرق بين داء الجنب وآلام العصابة في ما بين الضلوع.
  • وقد أجاد في معرفة الأمراض الجلدية والتناسلية والاضطرابات العصبية وتبيان ما للحالات النفسية كالخوف والقلق والكآبة، من تأثير واضح في حالات الجسم وأعضائه.

ولابن سينا الطبيب، أبحاث خاصة بالأمراض النسائية: فقد أشار إلى أسباب العقم وما يسمى ب “الحمل الكاذب”، وكان في دراساته ذا اهتمام بالطفل والمرأة الحامل.

قسم الطب إلى قسمين نظري وعملي، وشدد على اعتماد المريض للقوة الحياتية، وأوجد في كتابه مصطلحات كثيرة جديدة، درس في كتابه:

  • الأمراض العامة تفصيليا، وتحدث عن السل الرئوي.
  • الأمراض المعدية والعضلية والموسمية وتحدث عن تلوث الهواء.
  • النبض وشخص الأمراض استنادًا إليه.
  • الأمراض المعدية، والعضلية والموسمية، وتحدث عن تلوث الهواء.

مكانة ابن سينا

يحظى ابن سينا بمكانة متميزة، لا في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية فحسب، بل أيضًا في تاريخ الحضارة الإنسانية، فلقد سُمي ابن سينا بـ “أمير الأطباء” و “أبو الطب في العصور الوسطى” ولقد استحق ابن سينا هذه المكانة للأسباب التالية:

  1. كونه المفكر الموسوعي الذي عالج جميع مناحي الثقافة المعروفة في عصره، نجد ذلك في التراث الضخم الذي خلفه لنا، والذي تناول المنطق والاجتماع والأدب والشعر وعلم اللغة والعلوم الطبيعية والرياضيات والموسيقى، والذي تناول قبل كل شيء أمرين: الفلسفة بمعناها الشامل، والطب والعلوم اللازمة له.
  2. الكتب والرسائل الكثيرة التي خلفها لنا، التي بلغت مائتين وستة وسبعين مؤلف، وهو تراث ضخم.
  3. التأثير العظيم الذي تركه تراثه في “التطور اللاحق للعلم في جميع بلاد العالم”، فلقد ترجمت كتبه إلى اللاتينية في وقت مبكر وكان لها أثرها الكبير في الفلسفة المدرسية في العصر الوسيط، كما بقي كتابه “القانون في الطب” يدرس في جامعات أوربا إلى نهاية القرن السابع عشر.
  4. كونه من المفكرين القلائل في تراثنا، الذين خلفوا لنا سيرتهم الذاتية، تلك السيرة الهامة التي أملى قسما منها بنفسه وأكملها تلميذه أبو عبيد الجوزجاني.

مؤلفات ابن سينا

ألَّف ابن سينا العديد من المؤلفات في مجالات متعددة، وكان من أبرز مؤلفاته ما يلي:

  • في الفلسفة
    • الإشارات والتنبيهات
    • النجاة في المنطق والإلهيات.
  • في الطب
    • كتاب الأدوية القلبية.
    • كتاب القانون في الطب بقي كتابه المرجع الرئيسي في الطب لسبعة قرون.
    • كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية.
    • رسالة في تشريح الأعضاء.
    • رسالة في الأغذية والأدوية.
  • في الرياضيات
    • مختصر إقليدس.
    • مختصر المجسطي.
    • مختصر علم الهيئة.
    • رسالة الزاوية.
  • في الطبيعة
    • رسالة في إبطال أحكام النجوم.
    • رسالة في الأجرام العلوية وأسباب البرق والرعد.
    • رسالة في الفضاء.
    • رسالة في النبات والحيوان.

ابن سينا (وفاته)

توفى الطبيب العالمي ابن سينا عن عمر يناهز الثامنة والخمسين، في شهر يونيو 1037م، ودفن في همدان إيران، وكان رحمة الله عليه قد تصدق بكل أمواله للفقراء.

وإلى هنا يصل ختام حديثنا عن الموسوعي ابن سينا “أمير الأطباء”، وقد تناولنا جانبًا من علمه وإنجازاته في المجالات المتعددة.

اقرأ أيضًا:

Leave a Comment