كان ذو القرنين من الرجال الصالحين الموحدين لله تعالى، وكان يؤمن بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، مكّن الله عز وجل له في الأرض، وهيأ له من الأسباب ما بلغ به مشارق الأرض ومغاربها، وبنى السد بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، وكان يُحارب عبادة الأصنام.

اسم ذو القرنين

اختلف المؤرخون في السبب الذي سمي به “ذو القرنين”؛ حيث:

  • قيل: لأنه بلغ قرني الشمس غربًا وشرقًا.
  • وقيل: لأنه مَلَك “فارس” و “الروم”.
  • وقيل: لغديرتين في رأسه.
  • وقيل: لأنه كريم الطرفين من أهل بيت شرف من قِبل أبيه، وأمه.
  • وقيل: لأنه أعطى علم الظاهر والباطن.
  • وقيل: لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس.
  • وقيل: لأنه سلك الظلمة، والنور.
  • وقيل: بسبب شجاعته كأنه ينطح أقرانه.
  • وقيل: رأى في منامه كأنه امتد من السماء إلى الأرض، فأخذ بقرني الشمس، فقصَّ ذلك على قومه فسُمي “بذي القرنين”.

“وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ”

قال الله تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ۝ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا۝ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ۝”.

إن الله سبحانه وتعالى أعطى إمكانيات وقابليات لهذا الملك الصالح ومكنه من النفوذ في أقطار الأرض وانقيادهم له فأعطاه الأسباب الموصلة التي يستعين بها على سهوله الوصول إلى أقاصي العمران وعمل بتلك الأسباب التي أعطاه الله إياها و استعملها على وجهها فليس كل من عنده شيء من الأسباب يسلكه ولا كل أحد يكون قادرًا على السبب فإذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي و العمل به حصل المقصود وإن عدما أو أحدهما لم يحصل، لا يمكننا الجزم بتجديد رِحْلات ذي القرنين ولا تحديد السد الذي بناه على الكرة الأرضية لذلك يكفينا الوقوف عند اهتمام القرآن بإخراج القيم الصحيحة في سيرة ذي القرنين و أعماله.

سألوا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذي القرنين وما شانه فأمره الله تعالى أن يقص عليهم قصته، لقد سير الله تعالى لهذا الملك الصالح أسباب الملك والسلطان والفتح و العمران فاخذ بالأسباب فسار إلى جهة المغرب فوجد الشمس تغرب في ماء وطين حسب ما شاهد لا حسب الحقيقة قال تعالى: “حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ” في عين حمئةٍ، أي كأنها تغيب في البحر في عين وحدة مظلمة فوجد عند تلك العين الحارة ذات الطين قومًا من الأقوام فوجهه الله تعالى أما أن تقتلهم او يدعوهم بالحسنى فقال لهم ومن أصر على الكفر سوف نعذبه ثم يعود إلى الله تعالى فيعذبه عذابًا فظيعًا في نار جهنم.

وأما الذي يعمل الصالحات فجزاؤه الجنة ونيسر عليه فلا نكلفه ثم سلك طريقًا آخر نحو الشرق قال تعالى: “حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تطلع على قومٍ لَمْ نَجْعل لهم مِنْ دونِها سِترا”.

أي وجد الشمس تشرق عليهم وليس لهم من اللباس والبناء ما يسترهم من الشمس، ثم سلك طريقًا ثالثًا بين المشرق والمغرب إلى جبال شاهقة فوصل بين حاجزين ووجد هناك قوما لا يكادون يعرفون لسانا غير لسانهم الا بمشقة وعسر فطلبوا من ذي القرنين أن يبني لهم سدًا يمنع عنهم أذي يأجوج و مأجوج، وعرضوا عليه المال ولكنه أبى أن يأخذ منهم الأجرة وإنما أشار إلى ما أنعم الله به عليه، ولكنه طلب منهم أن يساعدوه في البناء فكلفهم أن يجمعوا له الحديد و يجعلوه بين السدين إلى أن وصل الحديد إلى جانبي الجبلين وأمرهم أن يشعلوا النار ويذيبوا النحاس ويجعلوه على الحديد، لكي يصبح قطعه واحدة فالتصق بعضه ببعض وصار جبلًا صلدًا فيمَا استطاع المفسدون أن يعلوه ولا ينقبوه وقال هذه نعمة من الله ولكن عندما يأتي وعد الله يجعله مستويًا بالأرض كان لم يكن.

أسباب انطلاق ذي القرنين

إن الشعور بالمسؤولية هو الذي دفع ذا القرنين أن ينطلق إلى المشرق والمغرب وحركة ذي القرنين تهدم أفكارًا ونظريات كثيرة ومنها النظرية الماركسية التي تقول أن الحافز لحركة الحياة هو الجنس وكذلك الاقتصاد، ولكن خروج ذي القرنين لنصرة المظلومين والأخذ على يد الظالم يهدم هذه الفكرة علمًا أنهم عرضوا على ذي القرنين أموالهم “قَالُوا يَا ذَا الْقُرْنين إِن يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لكَ خَرجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا۝ قَالَ مَا مَكَّني فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا۝”، ولكنه أبي أن يأخذ شيئًا.

ذو القرنين (خلاصة بعض الحقائق)

  1. عدم اقتصار أهداف رحلات ذي القرنين على التطلع إلى مغرب الشمس ومشرقها فقط، وإنما كانت هناك أهداف أخرى تمثلت في الدعوة إلى عبادة الله تعالى، ونشر العدل في كافة ربوع الأرض.
  2. كان الساحل الشرقي “لبحر الظلمات” (المحيط الأطلنطي) منتهى ما وصل إليه “ذو القرنين” جهة الغرب، في حين أن أقصى ما وصل إليه في الجهة الشرقية “شبه جزيرة شوكوتسك” الكائنة شرق “سيبيريا” في الوقت الراهن.
  3. يكمن موضع بناء السد في أقصى الشمال الشرقي “لقارة آسيا” حيث “جبال الأنادير”.
  4. استبعاد أن يكون “ذو القرنين” ملكًا كما زعم البعض، كون الملائكة لا تمنح الملك في الأرض.
  5. لم يكن “ذو القرنين” رسولًا؛ كون الله تعالى لم يمنح الملك لرسله سوى سيدنا “داوود”، وسيدنا “سليمان” (عليهما السلام).
  6. استبعاد أن يكون ذو القرنين” أحد ملوك الفرس” أو “الإغريق”؛ لعدم وحدانيتهم بالله تعالى بالإضافة إلى عدم ذكر ثمة معلومة تاريخية تفيد وصولهم إلى أقصى غرب الأرض أو شرقها، وبناء السد.
  7. ترجيح أن يكون “ذو القرنين” أحد ملوك “الأسرة الحميرية” في “اليمن”؛ وذلك لتوافر العامل الديني، ووحدانية الله تعالى بين الكثير من أفراد تلك الأسرة بالإضافة إلى امتداد فترات حكم الكثير منهم؛ وهو ما يمكنهم من القيام بعدد من الرحلات الخارجية طويلة المدى غربًا وشرقًا، فضلا عن شيوع كلمة “ذو” بين الكثير من أعلام تلك الأسرة، وتشابه رحلات بعض حكام تلك الأسرة مع رحلات “ذي القرنين”، وبخاصة “الصعب بن ذي مراثد”؛ وهو ما يُعضد كون “ذي القرنين” أحد ملوك الأسرة “الحميرية” في بلاد اليمن.

وإلى هنا يصل ختام حديثنا عن الشخصية العظيمة التي ذكرها القرآن ولا نعرف من هو ولكن أعماله صارت تحكي عن ذاته، وهو ذو القرنين.

اقرأ أيضًا:

Leave a Comment