كان الجاحظ رافدًا من روافد الفكر والأدب العالمي.. أقوى من تصدى للشعوبية ودافع عن العروبة والإسلام… تشوق الخلفاء لرؤيته وتسابق الوزراء لكسب وده.. كتبه تعلم العقل أولًا والأدب ثانيًا.

الجاحظ (نسبه وحياته)

هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي المُلقب “بالجاحظ” وسُمي بذلك لجحوظ واضح في عينيه، ولد بمدينة البصرة في منتصف القرن الثاني من الهجرة، وعاش بداية حياته في شظف من العيش وضيق من الحال، ولكن ذلك لم يمنعه من انصرافه إلى العلم وتبتله إليه، وانهماكه فيه، بل كان أكبر حافز له على الجد والمثابرة، وما أن تعلم القراءة والكتابة حتى انصرف إلى حلقات المساجد، وأندية العلم ومجتمعات الأدب، وظل يتردد على “المربد” وهو ملتقى الشعراء والرواة واتصل بعلماء اللغة وجهابذة الفقه والحديث والكلام، وخرج إلى البادية يلتقي بأعرابها ويستقي من منابعها، ويجتمع بأصحاب الفصاحة والبلاغة فيها.

كان العصر الذي نشأ فيه الجاحظ عصر استقرار وازدهار وتمدن حضاري ورقي علمي وفكري، فقد توطدت فيه أركان الدولة العباسية، واتسع نفوذها السياسي والأدبي وانضمت تحت لوائها أمم كثيرة، وأصبحت العربية لغة لهذه الجماعات بعد أن اعتنقوا الدين الإسلامي، ولقد عاش الجاحظ بعيدًا عن السياسية وأضوائها متنحيًا عن صخبها وضوضائها، وكان لا يصانع ولا ينافق وقد أقبل على العلوم بكليته وانصرف عن زخارف المناصب، واتجه نحو الدرس والمطالعة، وقد تولى منصبًا كبيرًا في عهد خليفة عالم وهو ديوان الرسائل ولكنه لم يستقر فيه إلا ثلاثة أيام، ولقد كان الجاحظ معتزليًا يدافع عن مذهبه بكل ما أوتي من قدرة في غير تعصب، وقد ابتدع طريقة خاصة في الاعتزال سميت “الجاحظية”، وقد عارض المعتزلة في بعض مسائلهم.

عبقرية الجاحظ

يعد الجاحظ شخصية فذة في تاريخنا الأدبي، فلم يجتمع لكاتب ولا لعالم ولا لأديب ما اجتمع لأبي عثمان من علم وأدب ودراية وفصاحة وبلاغة، ولم يظهر على مر العصور والأزمان من يدانيه في قوة الأسلوب وتدفقه، ولا في سعة الأفق ورحابته، ولا في وفرة الإنتاج وكثرته، ولقد ألف الجاحظ ف كل فن وصنف في كل علم فكان السابق في كل ميدان، وقد قربت مؤلفاته على الثلاثمائة ما بين رسالة صغيرة، وكتاب كبير.

ولا يوجد في الأدب العربي باحث أعمق تفكيرًا وأديب أشد تأثيرًا وكاتب أكثر اقناعًا من الجاحظ في تآليفه، وهو أصيل في فكرته، قوي في حجته، منطقي في براهينه، حر في فكرته يعتمد على العقل في كل صغيرة وكبيرة، ولا يرى التسليم في شيء إلا بعد فحصه وتحقيقه ولا يدع مسألة تمر حتى يناقشها مناقشة دقيقة ويبحثها بحثًا مستفيضًا، وقد بذل من الجهد والتتبع والتنقيب في تآليفه ما لا يزيد وراءه، حتى ليعجب المرء من كثرة تآليفه مع ما فيها من إتقان وإجادة، وإبداع وإفادة.

أسلوب الجاحظ وشجاعته الأدبية

كان لا يرى بأسًا من ذكر سقطاته وزلاته، ولا يرى حرجًا من أن يقول للذين انتقدوه في هفواته وعابوه في أخطائه، وكان يمتاز الجاحظ عن غيره من فحول الكتاب والأدباء بسعة إطلاعه وكثرة علومه، فإن تفوقه في أسلوبه وتخصصه في طريقته البيانية الفذة، يجعله أعلى منزلة، أسلوبه صاف لا يدنسه كدر، قوي لا يتخلله ضعف، واضح لا يعتريه غموض، بليغ لا يشوبه قصور، ولن تجد كلامًا فيه قوة العبارة وانتقاء الألفاظ والتئام الجمل وانسجام الموضوع وطرافة الفكرة، وحسن الديباجة ككلام الجاحظ، وقد كان الجاحظ ولا يزال إمامًا للأدباء وقدوة للناشئين والكتاب.

مكانة الجاحظ

لقد كان الجاحظ رافدًا من روافد الفكر والأدب العالمي وأن الكلام عن مكانته يفضي عرضًا لما أسدى إلى المجتمع الأدبي من مؤلفات وآراء ذات قيمة، وقد حظي الجاحظ بمكانة عالية بين رجال عصره وكان الخلفاء يتشوقون لرؤيته والوزراء يتسابقون في كسب وده، وكان في حال يُحسد عليها من قبل كثير من رجالات عصره.

وفاة الجاحظ

لقد توالت العلل على الجاحظ في أخريات عمره وظل مدة من السنين مقعدًا بين أكوام من الكتب يتناول منها ما يشاء، وفي عام 255 هـ وافته المنية عن عمر يناهز 96 عامًا، ولما وصل نعيه إلى الخليفة المعتز أسف عليه أشد الأسف وقال ليزيد بن محمد المهلبي: يا يزيد، ورد الخبر بموت الجاحظ، فقال لأمير المؤمنين طول البقاء ودوام النعماء.

مؤلفات الجاحظ

لقد ألف الجاحظ ف كل فن وصنف في كل علم فكان السابق في كل ميدان، وقد قربت مؤلفاته على الثلاثمائة ما بين رسالة صغيرة، وكتاب كبير، ومن مؤلفاته ما يلي:

  • البيان والتبيين في أربعة أجزاء.
  • كتاب الحيوان في ثمانية أجزاء.
  • كتاب الزرع والنخل.
  • كتاب الفرق بين النبي والمتنبي.
  • كتاب المعرفة.
  • كتاب جوابات كتاب المعرفة.
  • كتاب مسائل كتاب المعرفة.
  • كتاب الرد على أصحاب الإلهام.
  • كتاب نظم القرآن، ثلاث نسخ.
  • كتاب المسائل في القرآن.
  • كتاب فضيلة المعتزلة.
  • كتاب الرد على المشبهة.
  • كتاب الإمامة على مذهب الشيعة.
  • كتاب حكاية قول أصناف الزيدية.
  • كتاب العثمانية.
  • كتاب الأخبار وكيف تصح.
  • كتاب الرد على النصارى.
  • كتاب الرد على العثمانية.
  • كتاب إمامة معاوية.
  • كتاب إمامة بنى العباس.
  • كتاب القيان.
  • كتاب القواد.
  • كتاب اللصوص.
  • كتاب ذكر ما بين الزيدية والرافضة.
  • كتاب المخاطبات في التوحيد.
  • كتاب صناعة الكلام.
  • كتاب تصويب على في تحكيم الحكمين.
  • كتاب وجوب الإمامة.
  • كتاب الأصنام.
  • كتاب الوكلاء والموكلين.
  • كتاب الشارب والمشروب.
  • كتاب افتخار الشتاء والصيف.
  • كتاب المعلمين.
  • كتاب الجواري.
  • كتاب نوادر الحسن.

اقرأ أيضًا:

Leave a Comment