ثوبان (مولى رسول الله ﷺ) ذلك الرجل العربي الأصيل، أصابه السبي وهو صغير، فوقع في الرق، وعاش مرارة العبودية، حتى ضاقت نفسه، وأظلمت الدنيا أمام عينيه، وهو لا يدري أنها محطات في حياته يسوقه القدر عن طريقها؛ ليكون من آل بيت النبوة، فقد عاش في ظلال النبوة، ونعم في كنف رسول الله ﷺ، وشرف بخدمته.

ثوبان (مولى رسول الله ﷺ)

  • هو ثوبان بن بُجددٍ، وقيل: ابنُ جَحدرٍ، ويكنى: أبا عبد الله، وقيل: أبا عبد الرحمن، وشهرته: ثوبان بن بجدد القرشي.
  • قيل أنه من أهل السراة، والسراة موضع بين مكة واليمن، وقيل: إنه من حمير.
  • أصاب ثوبان السبيٌّ وهو صغير، فتقلب في الرق حتى اشتراه رسول الله ﷺ، وأسلم على يديه، فأعتقه ﷺ، ثم خيره فقال له: “إن شئت أن تلحق بمن أنت منهم، وإن شئت أن تكون منَّا أهل البيت”، فثبت ثوبان رضي الله عنه على ولاء رسول الله ﷺ، ولم يترك سفرًا إلا وحضرًا، وبهذا أصبح ثوبان من آل بيت النبوة، فقد قال رسول الله ﷺ: “مولى القوم من أنفسهم”.
  • وفي يوم سمع ثوبان رضي الله عنه النبي ﷺ يدعو لآل بيته رضي الله عنهم جميعًا، فقال له: “يا نبي الله، أمِن أهل البيت أنا؟ قال: نعم، ما لم تقم على باب سُدةٍ، أو تأتي أميرًا تسأله”.

مواقف ثوبان مع رسول الله ﷺ

كان ثوبان رضي الله عنه شديد الحب لرسول الله ﷺ، والمواقف الدالة على ذلك كثيرة جدًا، لعل من أبرزها:

  • عندما أتى ثوبان يومًا إلى رسول الله ﷺ وقد تغير لونه، ونحل جسمه، وعُرف الحزن في وجهه، فسأله رسول الله ﷺ عن حاله، فقال بصوت تخنقه العبرات: يا رسول الله ما بي من وجع، غبر أني إذا لم أرك اشتقت إليك، واستوحشت وحشةً شديدةً حتى ألقاك؛ فإنك لأحبُّ إليَّ من نفسي، وإنك لأحب إليَّ من أهلي، وأحبُّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك فانظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك خشيتُ ألّا أراك في الآخرة، فقد عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلةٍ أدنى من منزلتك، وإن أنا لم أدخل الجنة فحينئذٍ لا أراك أبدًا، فأنزل الله تعالى جبريل عليه السلام بهذه الآية: “وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا” ليشهد الوحيُ على صِدق حبه لرسول الله ﷺ ويبشره ويدله على طريق يصل به إلى صحبته ﷺ في الدنيا والآخرة.
  • ومن المواقف الدالة على تعظيم ثوبان لمقام رسول الله ﷺ، عندما كان اليهود في المدينة يسيئون الأدب في الحديث مع رسول الله ﷺ، وكان فعلهم الخبيث هذا يثير غضب الصحابة رضي الله عنهم، وهذا ثوبان رضي الله عنه كان مع النبي ﷺ يومًا “فجاء حَبرٌ من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد، قال ثوبان: فدفعته دفعة كاد يُصرع منها، فقال اليهودي: لم تدفعني؟ فقال له: ألا تقول يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله ﷺ لثوبان: إن اسمي الذي سماني به أهلي: محمد”؛ وذلك ليهدأ ثوبان ويترك الرجل.

عفته وزهده رضي الله عنه

  • خرج رسول الله ﷺ على أصحابه رضي الله عنهم يومًا فقال لهم: “من يضمن لي واحدةً وأضمن له الجنة؟ فقال ثوبان: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ له: لا تسأل الناس شيئًا، فكان ثوبان من بعدها لا يسأل أحدًا شيئًا، حتى أنه كان يقع سوطه وهو راكب على بعيره، فيُنيخ حتى يأخذه، وما يقول لأحدٍ: ناولنيه”.
  • وعاش ثوبان رضي الله عنه مستمسكًا بعهده لرسول الله ﷺ وفيًّا، فمهما ضاقت به الدنيا كان لا يسأل الناس شيئًا، حتى عزفت نفسه عن الدنيا، فذهب إلى النبي ﷺ فقال: “يا رسول الله، ما يكفيني من الدنيا؟ قال: ما سدَّ جوعتك، ووارى عورتك، فإن كان لك بيتٌ يظلك فذلك، وإن كانت لك دابةٌ تركبها فبخٍ”.
  • وقد كانت أم المؤمنين عائشة بعد رسول الله ﷺ من عفة ثوبان وشدة زهده تخشى عليه أن يصيبه الفقر، أو تصيبه الحاجة، ولا ينتبه إليه أحد؛ لاستمساكه بعهده لرسول الله ﷺ ألا يسأل الناس شيئًا، فكانت توصي الناس به، وتأمرهم أن يتفقدوا أحواله بقولها: “تعاهدوا ثوبان؛ فإنه لا يسأل أحدًا شيئًا”.
  • ومن أجمل ما وصفه به أبو نعيم وهو يتحدث عن الأولياء، فقال: “ومنهم: القنع العفيف، الوفي الظريف: أبو عبد الله ثوبان موللى رسول الرحمن المضمون له بالكفالة والضمان حلول ساحة الجنان؛ إذ ترك السؤال وإتيان السلطان”.

ما رواه ثوبان (مولى رسول الله ﷺ)

بعد موت رسول الله ﷺ حرص ثوبان على نشر تعاليم الإسلام بين الناس، ويروي للناس حديث رسول الله ﷺ، فسكن الشام وبنى بها دارًا بحمص، ودارًا بالرملة، وبنى بمصر دارًا، وكان يتنقل بين هذه الدور في رحلات دعوته إلى الله جلا وعلا، حتى جعل الله له مكانة علمية بين أهل هذه البلاد، فكانوا يأتونه ويستفتونه، ومن أمثلة ذلك: ما أخبر به تلميذه سالم بن أبي الجعد: “أن الناس أتوا ثوبان رضي الله عنه فقالوا له: حدثنا فقد ذهب أصحابك وافتقرنا إلى ما عندك، فحدثنا بما ينفعنا ولا يضررك، فقال لهم: عليكم بكتاب الله عز وجل؛ فإنه أحسن الحديث، وأبلغ الموعظة، قالوا: صدقت”.

ولقد روى ثوبان (مولى رسول الله ﷺ) الكثير من الأحاديث عن النبي ﷺ، ومن أبرزها:

  • عمل نافع ترفع بها الدرجات، قال معدان بن طلحة: “قلت لثوبان: دلني على عملٍ ينفعني الله به، فسكت عني، ثم عدت فقلت: دلني على عمل ينفعني الله به، فسكت عني، فقلت: دلني على عمل ينفعني الله به، فقال لي: عليك بالسجود لله؛ فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من عبدٍ يسجد لله سجدةً إلا رفعه الله بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئةً”.
  • عقاب انتهاك حرمات الله في الخلوات، روى ثوبان رضي الله عنه عن النبي ﷺ، قال: “لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تهامة بيضًا فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا” قال ثوبان رضي الله عنه: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن نعلم. قال النبي ﷺ: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
  • فضل الاستغفار بعد الصلاة، روى ثوبان (مولى رسول الله ﷺ) أن رسول الله ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباكت ذا الجلال والإكرام. قال الوليد: فقلت للأوزاعِي: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: استغفر الله، استغفر الله.
  • فضل عيادة المريض، فقد روى ثوبان رضي الله أن النبي ﷺ، قال: “من عاد مريضًا لم يزل في خرفة الجنة، قيل يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال: جناها” ومعنى الحديث أن زيارة المريض من الآداب التي حثَّ عليها النبي ﷺ، وأن من يزور المريض فإنه يجني من ثما الجنة مدة دوامه جالسًا عند هذا المريض.

وفاة ثوبان (مولى رسول الله ﷺ)

توفى ثوبان (مولى رسول الله ﷺ) في حمص ستة أبعٍ وخمسين من الهجرة، بعد أن عاش حياته يجاهد في سبيل الله، ويخدم رسوله ﷺ، ويروي عنه الحديث.

وإلى هنا يصل ختام حديثنا عن الصحابي ثوبان (مولى رسول الله ﷺ) الذي عاش مجاهدًا في سبيل الله وخادمًا لرسول الله ﷺ، زاهدًا في الدنيا لا يشغله سوى رضَا الله ورسوله، رحمة الله تعالى عليه وعلى أمثاله.

اقرأ أيضًا:

Leave a Comment