حاطب بن أبي بلتعة أول مسلم دعا إلى الله ورسوله في مصر، ذلك الصحابي الجليل من المهاجرين الذي أفنى حياته في سبيل الله عابدًا وداعيًا ومجاهدًا، فلقد شهد مع رسول الله ﷺ العديد من الشواهد، فهو رائعة من روائع الإسلام، شهد الله جل وعلا له بالإيمان ورضى عنه، وشهد له رسول الله ﷺ بالجنة.

حاطب بن أبي بلتعة

  • هو حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سَهل بن العتْيك بن سعَّاد بن راشدة بن جزيلة بن لخم بن عدِي.
  • ولد حاطب بن أبي بلتعة سنة 35 قبل الهجرة.
  • كنيته: أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله.
  • كان رضي الله عنه رجلًا حسن الجسم، خفيف اللحية.
  • كان من فرسان مكة المعروفين، ورماتها المشهورين.
  • كان أيضًا من شعراء مكة في الجاهلية، وكان ممن يجيدون القراءة والكتابة في وقتٍ كانت العرب فيه غارقة في الأمية.

إسلامه وهجرته

  • أسلم حاطب بن أبي بلتعة شابًا في مكة مع رسول الله ﷺ، وعانى مما عاناه المسلمون فيها، حتى أمرهم الله تعالى بالهجرة إلى المدينة.
  • هاجر إلى المدينة مع حليفه الزبير بن العوام وهو في الخامسة والثلاثين من عمره.
  • آخى رسول الله ﷺ بينه وبين عويم بن ساعدة الأنصاري.

جهاد حاطب بن أبي بلتعة

  • جاهد حاطب بن أبي بلتعة مع رسول الله ﷺ المشركين في مشاهده كلها.
  • ووضع الوحي على صدره العديد من الأوسمة إكرامًا لجهاده في سبيل الله، ومن أعظمها: أوسمة الشرف التي وضعت على صدر شهد بدرًا وبايع في الحديبية، ومنها:
    • رضوان الله عليهم، لقوله تعالى: “لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا”.
    • مغفرة ذنوبهم، لقول النبي ﷺ: “إنَّ الله تعالى اطَّلَعَ على أَهْلِ بَدْرٍ، فقال: اعملوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غفرت لكُمْ”.
    • وعد بدخولهم الجنة وعدم دخولهم النار؛ لقول النبي ﷺ: “لا يدخل أحد ممن بايع تحت الشجرة”، ولقوله ﷺ: “لن يدخل النار رجل شهد بدرًا أو الحديبية”.
    • أنهم خير الناس، فقد سأل جبريل النبي ﷺ فقال: “ما تعدون من شهد بردًا فيكم؟ قال: خِيارنا”، وفي لفظ: “هم عندنا أفاضل الناس”، وقال ﷺ أيضًا: “أنتم خير أهل الأرض”.
  • وفي يوم أحد كان لحاطب موقف بطولي سجله التاريخ، يشهد على شجاعته وتضحيته في سبيل الله، ويظهر مدى حبه لرسول الله ﷺ، فإنه لما اشتعلت نيران المعركة ودارت الدائرة على المسلمين، وجُرح النبي ﷺ جراحات شديدة، وأُشيع بين الناس أن محمدًا ﷺ قد قُتل حين صاح الشيطان بذلك، انهارت معنويات كثير من المسلمين، وأحاطت النبي ﷺ ثلة مؤمنة يدافعون عنه بأرواحهم، وهنا برز دور الفارس المغوار حاطب بن أبي بلتعة، فقد انطلق انطلاقة السهم من القوس في ميدان المعركة يمينًا ويسارًا يبحث عن رسول الله ﷺ، فوجده وقد آلمته الجراح، والدماء تسيل على جسده الشريف، وفي يد على بن أبي طالب رضي الله عنه التُّرسُ فيه ماء، ورسول الله ﷺ يغسل وجهه من ذلك الماء، فقال له حاطب: مَنْ فعل بكِ هذا؟ قال: عتبة بن أبي وقاص، هشَّم وجهي، ودقَّ رباعيتي بحجرٍ رماني، فقال حاطب: إني سمعت صائحًا يصيح على الجبل: قُتل محمد، فأتيت وكان قد ذهب روحي، فقال يا رسول الله: أين توجه عتبة؟ فأشار إلى حيث توجه، قال: فمضيتُ حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه فهبطت، فأخذت رأسه وسلبه وفرسه وجئت بها إلى النبي ﷺ، فسلَّم ذلك إلىَّ ودعا لي فقال: رضي الله عنك، رضي الله عنك.
  • وشهد حاطب أيضًا مع النبي ﷺ فتح مكة، وقاتل المشركين في حُنين، ثم حاصر معه الطائف، ثم خرج معه إلى قتال الروم في (تبوك)، وحج مع النبي ﷺ حجة الوداع، وظل ملازمًا النبي ﷺ حتى توفى رسول الله ﷺ وهو راضٍ عنه.
  • وجاهد حاطب رضي الله عنه في عصر الخلافة الراشدة حق جهاده حتى أتاه اليقين، فقد أرسله أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المقوقس بمصر فصالحهم، ولم يزالوا على ذلك حتى فتحها عمرو بن العاص في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعًا.

قصة حاطب بن أبي بلتعة في فتح مكة

  • عندما صالح النبي ﷺ قريشًا في الحديبية وكان الاتفاق على وقف القتال بينهما مدة عشر سنوات، دخلت بنو خزامة في عقد النبي ﷺ وعهده، وكان كثير منهم على الإسلام، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وكان كثير منهم على الكفر، ثم نقضت قريش هذا الصلح، وأعانوا بني بكر على قتل خزاعة خلفاء النبي ﷺ، فلما جاء الخبر لرسول الله ﷺ عزم أن يخرج بجيشه لنصرة المستضعفين، وفتح مكة.
  • فقام النبي ﷺ بإعداد الجيش لفتح مكة، وعندما علم حاطب بدأ الخوف يتسلل إلى صدره على آل بيته الضعفاء، وما ستفعله قريش بالمسلمين المستضعفين في مكة إذا علموا بقدوم جيش كهذا؟ وظلت الخواطر تتردد إلى داخله حتى أفقدته صوابه.
  • فكتب حاطب إلى قريش كتابًا يخبرهم فيه أن رسول الله ﷺ قد جهز جيش كبير لفتح مكة، وهو بذلك قد أفشى سرًا عسكريًا وخالف أوامر القائد.
  • وما إن وصل علم النبي ﷺ بشأن ما هي هذا الكتاب، أرسل إلى حاطب للتحقيق معه، ودار الحوار التالي:
    • قال النبي ﷺ: ما هذا يا حاطب؟ أتعرف هذا الكتاب؟
    • فقال حاطب: لا تعْجل عليَّ يا رسول الله.
    • فقال ﷺ: أنت كتبت هذا الكتاب؟
    • فقال: نعم، يا رسول الله، وما فعلت ذلك غِشًّا لرسول الله ﷺ، ولا نِفاقًا، ولا ارتدادًا، ولا رضا بالكفر بعد الإيمان، وإني والله لناصحٌ لله ولرسوله.
    • فقال ﷺ: فما الذي حملك على ما صنعت؟
    • قال: يا رسول الله، إني كنت امرأ عربيًا غريبًا في أهل مكة، ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان أهلي بين ظهر انَيهم، فخشيت عليهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إن فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يدفع الله بها عن أهلي، فكتبت كتابًا لأهل مكة لا يضر الله ورسوله شيئًا، فلقد علمت أن الله مظهرٌ رسوله، زمتمٌ له أمره.
    • فنطق النبي ﷺ حكمه، وقال: “لقد صدقكم حاطبٌ، فلا تقولوا له إلا خيرًا”.
  • ولكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دفعته غيرته على الله ورسوله لأن يقول: “يا رسول الله، إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني حتى أضرب عنقه”.
  • فالتفت النبي ﷺ إلى عمر رضي الله عنه وقال: “أتقتل رجلًا من أهل بدر؟ وما يدريك، لعلَّ الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”.
  • وكأن حاطب قد ولد من جديد بعد سماع حكم النبي ﷺ، وانفجرت دموع الندم والتوبة والفرح في عينه.
  • وفي هذا الدرس الرائع يعلمنا النبي ﷺ أن أصحاب الفضل لا يُمحى تاريخهم، ولا تُنسى صفحات عطائهم بخطأٍ أحدثوه، أو ذنبٍ اقترفوه، ويعلمنا أيضًا الفرق بين العدل والرحمة، وأيضًا العفو عند المقدرة.

وفاة حاطب بن أبي بلتعة

  • توفي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في المدينة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 30 هجري، عن عمر يناهز 65 سنة.
  • ودفن رضي الله عنه في البقيع، وصلى عليه عثمان بن عفان وحضر جنازته العديد من الصحابة والتابعين.

وإلى هنا نكون قد وصلنا لنهاية الحديث عن الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة تاركًا لنا سيرة يُقتضى بها في العبادة والدعوة والتضحية والجهاد في سبيل الله.

اقرأ أيضًا:

Leave a Comment