عبد الله بن مسعود… من أوائل الرجال الذين دخلوا في الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، صاحب سر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ونعليه وسواكه ووسادته، وأحد المسلمين الذين هاجروا الهجرتين إلى بلاد الحبشة والمدينة، وكان _رضي الله عنه_ أول من جهر بقراءة القرآن الكريم في الكعبة في جمعٍ من المشركين، أدرك القبلتين، تولى قضاء الكوفة وبيت مالها وذلك في أثناء خلافة عمر _رضي الله عنه_.
عبد الله بن مسعود
نسبه
- عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم إلى بني سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، مات أبوه في الجاهلية ولكن أمه أسلمت وتبعت النبي _صلى الله عليه وسلم_؛ لذلك كان في بعض الأحيان ينسب إلى أمه، فيقال له: (ابن أم عبد).
نشأته
- ولد عبد الله بن مسعود ونشأ في مكة حيث استقر بها والده قبل الإسلام، تزوج _رضي الله عنه_ من ” أم عبد بنت عبد وُدّ بن سواءة الهُذلية”، حفيدة عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي ابنة ابنته هند بنت عبد بن الحارث.
صفاته
- كان _رضي الله عنه_ نحيل الجسم، دقيق الساق، خفيف اللحم، قصير القامة، شديد الأدمة، كان من أحاسن الناس ثيابًا، ومن أطيبهم ريحًا فكان يعرف ليلًا من طيب ريحه، وكان بعينيه _رضي الله عنه_ أثرين أسودين من البكاء، كما كان لا يغير شيبه، وكان دائمًا يرتدي خاتمًا مصنوعًا من الحديد
- وفيما روي أن النبي _صلى الله عليه سلم_ أمر عبد الله بن مسعود أن يصعد على شجرة ويأتيه منها بشيء، فنظر أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ساقه حين صعد فضحكوا من حُموشَةِ ساقه، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: (مَمّ تضحكون؟ لَرِجْلُ عبد الله أثقلُ في الميزان يوم القيامة من أحُدٍ).
إسلام عبد الله بن مسعود
- كان عبد الله بن مسعود من السابقين إلى الإسلام فهو سادس من دخل في الإسلام، لزم _رضي الله عنه_ النبي _صلى الله عليه وسلم_ في مكة، وحضر مع النبي _صلى الله عليه وسلم_ غزوة بدر وأحد كما حضر المشاهد كلها ولم يفته منها شيء.
- وكان _رضي الله عنه_ جريئًا فكان أول من جهر بالقرآن بعد النبي _صلى الله عليه وسلم_ وكان ذلك عند الكعبة بمكة، ففيما روي من اجتماع الصحابة يومًا، قائلين: “والله ما سمعت قريشُ هذا القرآن يُجهرُ لها به قط، فمَنْ رجلٌ يُسمعهم؟”، فقال عبد الله بن مسعود: “أنا”، فقالوا: “إنّا نخشاهم عليك، إنّما نريدُ رجلًا له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه”، فقال: “دعوني فإنّ الله سيمنعني”، فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها، حتى قام عبد الله عند المقام فقال رافعًا صوته: “بسم الله الرحمن الرحيم، (الرّحْمن، عَلّمَ القُرْآن، خَلَقَ الإنْسَان، عَلّمَهُ البَيَان)، فاستقبلها فقرأ بها، فتأمّلوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد، ثم قالوا: “إنّه ليتلوا بعض ما جاء به محمد”، فقاموا فجعلوا يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه -رضوان الله عليهم_ وقد أثروا بوجهه، فقالوا: “هذا الذي خشينا عليك”، فقال: “ما كان أعداء الله قط أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غدًا؟”، قالوا: “حسبُكَ قد أسمعتهم ما يكرهون”.
- وقد لاقي ابن مسعود _رضي الله عنه_ من المشركين بعد جهره بالقرآن الكريم ألوانًا شتى من العذاب حتى اضطر إلى الهجرة إلى بلاد الحبشة؛ كي ينجو بنفسه ودينه.
- وبعد سنوات مكثها عبد الله بن مسعود في بلاد الحبشة عاد مجددًا إلى مكة، قبل أن يتركها مرة أخرى مهاجرًا إلى يثرب بعد أن أذن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لأصحابه بالهجرة إليها.
روايته للحديث
- كان عبد الله بن مسعود من المكثرين لرواية الحديث عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقد روى أيضًا عن عمر بن الخطاب، سعد بن معاذ، صفوان بن عسال المرادي _رضوان الله عليهم أجمعين_.
- وروى عنه _رضي الله عنه_ الكثير من الصحابة والتابعين، أمثال: (عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو موسى الأشعري، عمران بن حصين، عبد الله بن الزبير، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، أنس بن مالك، أبو سعيد الخدري، أبو هريرة، أبو رافع الأنصاري، أبو أمامة الباهلي، علقمة بن قيس النخعي، الأسود بن يزيد النخعي، مسروق بن الأجدع، عبيدة بن عمرو السلماني، أبو وائل شقيق بن سلمة، قيس بن أبي حازم، زر بن حبيش، الربيع بن خثيم، طارق بن شهاب، زيد بن وهب، أبو الأحوص عوف بن مالك، أبو عمرو الشيباني، ابن أخيه عبد الله بن عتبة بن مسعود، زوجته زينب بنت عبد الله الثقفية، وغيرهم كثير _رضوان الله عليهم أجمعين_).
- اتفقا الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما على إخراج أربعة وستون حديثًا لابن مسعود، وانفرد مسلم بإخراج خمس وثلاثين حديثًا، كما انفرد البخاري بإخراج واحد وعشرين حديثًا، وله _رضي الله عنه_ في إحصاء النووي ثمان مئة وثمانية وأربعون حديثًا، وأخرج له بقي بن مخلد في مسنده بالمكرر ثمان مئة وأربعين حديثًا، وقد عدّ يحيى بن معين أصح الأسانيد عن ابن مسعود ما رواه سليمان بن مهران الأعمش عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس النخعي عن ابن مسعود، كما روى له الجماعة.
مكانته
- كان _رضي الله عنه_ على مقربة من رسول الله في السفر والمحل، وكان دائم ملازمته _صلى الله عليه وسلم_ حتى قيل له (صاحب سر رسول الله)، ولقب _رضي الله عنه_ ب “صاحب السواد”؛ لكتمانه لسر النبي، ومما روي عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: “لو كنت مؤمّرًا أحدًا عن غير مشورة، لأمرت عليهم ابن أم عبد“.
- كما روي حذيفة بن اليمان عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: “اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد”.
- وروى أبو الدرداء الأنصاري أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ خطب خطبة خفيفة، فلما فرغ من خطبته أمر أبا بكر، فقام فخطب، فقصر دون النبي _صلى الله عليه وسلم_ ثم أمر عمر، فقام فخطب، فقصّر دون أبي بكر، ثم نادى آخر فقام فخطب، فشقق القول، فقال له النبي محمد: “اسكت أو اجلس، فإن التشقيق من الشيطان، وإن البيان من السحر”، ثم قال: “يا ابن أم عبد، قم فاخطب”، فقام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “أيها الناس، إن الله _عز وجل_ ربنا، وإن الإسلام ديننا، وإن القرآن إمامنا، وإن البيت قبلتنا، وإن هذا نبينا _وأومأ إلى النبي_ رضينا ما رضي الله لنا ورسوله، وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله، والسلام عليكم”، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: “أصاب ابن أم عبد وصدق، رضيت بما رضي الله لأمتي وابن أم عبد، وكرهت ما كره الله لأمتي وابن أم عبد”.
علمه
- كان _رضي الله عنه_ أعلم الصحابة بعلوم تفسير القرآن الكريم، فكان لملازمته النبي _صلى الله عليه وسلم_ أثرًا واضحًا في سعة علمه بالتفسير وأسباب نزول آيات القرآن الكريم، تلقى بن مسعود من في النبي _صلى الله عليه وسلم_ مباشرةً ما يزيد عن سبعين سورة، وكان _رضي الله عنه_ حسن القراءة يجيد ترتيل القرآن الكريم فكان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يحب أن يسمع منه، فقد روى بن مسعود أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال له يومًا: “اقرأ علي سورة النساء”، فتعجب ابن مسعود وقال: “أقرأ عليك وعليك أُنزل؟”، فقال النبي محمد: “إني أحب أن أسمعه من غيري”، فقرأ عليه حتى بلغ قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)، ففاضت عينا النبي _صلى الله عليه وسلم_، وقال: “من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أُنزل، فليقرأ قراءة ابن أم عبد“، كما أوصى _صلى الله عليه وسلم_ الصحابة أن استقرئوا القرآن الكريم من ابن مسعود قائلًا: “استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة”.
- وقد تفرغ بن مسعود _رضي الله عنه_ لتعلم وخدمة القرآن وأهله، فكان _رضي الله عنه_ يملي المصاحف غيبًا عن ظهر قلب في الكوفة، وقد روى مسروق بن الأجدع عنه أن قال: “والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه”.
- وقد تلقى القرآن عن ابن مسعود الكثير من الصحابة والتابعين، أمثال: (كأبي عبد الرحمن السُلمي الكوفي، وعبيد بن نضيلة، والأسود بن يزيد النخعي وتميم بن حذلم، والحارث بن قيس، وزر بن حبيش الأسدي، وعبيد بن قيس، وعلقمة بن قيس النخعي، وعبيدة بن عمرو السلماني، وعمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي، وأبو عمرو الشيباني، وزيد بن وهب الجهني، ومسروق بن الأجدع، وإليه تنتهي قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، والأعمش، وقد قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود: “كان عبد الله إذا هدأت العيون قام، فسمعت له دويًّا كدوي النحل حتى يُصبح“.
وفاته
توفي عبد الله بن مسعود _رضي الله عنه_ في المدينة المنورة عن مرضٍ ألم به وكان ذلك في عام اثنان وثلاثون للهجرة عن عمرٍ يناهز بضعٍ وستين عامًا، وغسل وكفن في حلة تبلغ قيمتها مائتي درهم، وصلى عليه الزبير بن العوام كما أوصى بن مسعود، ودفن ليلًا في البقيع عند قبر عثمان بن مظعون.
وختامًا، تناولنا في هذا المقال الحديث عن “عبد الله بن مسعود”، في البداية تناولنا ذكر نسبه ونشأته وصفاته، ثم انتقلنا للحديث عن إسلامه وروايته _رضي الله عنه_ للحديث عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، مرورًا بذكر علمه ومنزلته عند النبي _صلى الله عليه وسلم_ وعند الصحابة، وأخيرًا وفاته.
اقرأ أيضًا: