القصة هي مجموعة من الأحداث التي يرويها الكاتب، ويعمل الكاتب على أن يُدخل القارئ إلى أحدث القصة حيث يساعده على الاندماج في أحداثها، ويحمله على الاعتراف بصدق التفاعل الذي يحدث بين الشخصيات والحوادث، فالقصة هي لغة التخاطب المناسبة التي تتسق وروح الإنسان، والله خلق الإنسان ويعلم ملكاته ومواهبه وإمكاناته وفضله على جميع ما خلق، وقد ظهر فن القصة في عصر القدماء المصيريين حيث هم أول من كتبوا القصص قبل أربعة آلاف عام وقد برعوا فيها بدرجة كبيرة، ويوجد للقصة عدة خصائص كما تحتوي على عدة عناصر، وإليكم عناصر القصة وتعريفها وخصائصها.
ما هي القصة؟

القصة القصيرة
القص في اللغة هو: قص الأثر أي تتبع مساره ورصد حركة أصحابه، والتقاط بعض أخبارهمـ ويُقال اقتص أثره وتقصص أثره، وتعني تتبع آثار الأشخاص وسيرهم خلال فترة زمنية معينة، كما أنها سلسلة من المشاهد الموصوفة التي تنشأ خلالها حالة مسببة تتطلب شخصية حاسمة ذات صفة مسيطرة تحاول أن تحل نوعًا من المشكلة من خلال بعض الأحداث التي ترى أنها الأفضل لتحقيق الغرض.
ما هي عناصر القصة القصيرة؟
لابد ن يتكون كل عمل من عنصر أو أجزاء، تساهم جميعًا في انسجام حتى يتشكل على أفضل صورة حسب موهبة صاحب العمل، وتعد القصة أقرب الأشكال الأدبية للرواية فتُعد عناصر القصة هي عناصر الرواية، وهذه العناصر هي:
1. الرؤية
الرؤية تكمن وراء العمل الفني وتدفع الكاتب إليه، وهي تمثل نقطة ضوء بسيطة تشع على الحياة والكون والإنسان، تنير الطريق أمامه وتتسرب بالفن نظراته للحياة والمجتمع، فالرؤية هي جوهر العمل ونواته الفكرية التي قد تصدر أحيانًا عن الفنان دون وعي منه من فرط خبراته، وعمق نظراته وحرارة إحساسه وشفافيته، كما أن الرؤية تفضي إلى منهج فني لا يتوفر إلا للموهوبين والمبدعين المتميزين وهو “الاختيار”، كما يمكننا أن نقول أن الفنون عامة والقصة القصيرة بشكل خاص ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذا المنهج حيث تكمن فيه كل نجاحاتها، وهو اليد الخفية المرهفة التي تحسن الالتقاط وتجيد التمييز بين هذا الموقف وذاك، كما أنها أيضًا المضمون أي معنى ودلالة العمل الفني، ورأي فكري للموقف، ولابد أن تكون هناك رؤية لدى الكاتب في كل شيء مادام فيه قلب ينبض وأنفاس تتردد، وهذا ما يحقق له القيمة في مجتمعه.
2. الموضوع
موضوع القصة هو الحدث أو الحدوتة الشعرية التي تتجسد من خلالها الرؤية، وهو المادة القصصية التي بدونها لا يكون هناك قص، كما أنه حدث يتم في مكان وزمان محددين، تنشأ عنه علاقات إنسانية مختلفة، ويتمثل أيضًا في سلوك الشخصية التي تسعى لتحقيق هدف، وتعبير عن آمالها ومشاعرها الوجدانية، والموضوع يمكن أن يكون مشكلة عاطفية، رغبة في الانتقام، إحساس بافتقاد الأصدقاء، سعي للخلاص من مأزق، خوف من قوة أكبر، محاولة للتغلب على عجز مالي أو بدني، كما أن الموضوع هو مادة القصة، حدثًا كان أو موقفًا أو حالة أو لحظة شعورية، والموضوع عنصر بالغ الأهمية؛ لأنه الهيكل العظمي لهذا العمل الأدبي.
3. اللغة
تقوم اللغة في القصة بدور بالغ ودقيق في إضافة الحيوية على النص الأدبي، كما أنها تؤثر على العناصر المتبقية، فالبناء أساسه لغوي، ووصف الشخصية والحدث يعتمد على اللغة، والدرامية في القصة القصيرة تولدها اللغة القوية، بالإضافة إلى أن اللغة قادرة على الصياغة والتشكيل للأساليب الفنية، والمتمثلة في حوار وسرد ومونولوج داخلي وغيرها، كما أن اللغة في القصة القصيرة تحمل من السمات ما تحمله اللغة في الرواية الحديثة لولا أنها في القصة أشد تركيزًا وتكثيفًا، وذات قدرات عالية على الإيماء والإيحاء، ويوجد عدة سمات ضرورية للغة الفنية، وهذه السمات هي:
- السلامة النحوية.
- الدقة.
- الاقتصاد والتكثيف.
- الشاعرية.
4. الشخصية
المقصود بالشخصية لا يقتصر على البشر فقط، وإنما يتعداه ليشمل كل ما يؤدي فعلًا أو يمارس تأثيرًا أو يتمتع بحضور قوي تتجاوز أصداؤه حدود حجمه، فالمكان يمكن أن يكون شخصية أو بطلًا في إحدى القصص، وهو كذلك بالفعل فيعدد كبير من القصص والطير والحيوان أيضًا والشجر والبحر والنهر والجبل والشمس والقمر وغيرهم، فالمقصود بالشخصية هو محرك الحدث أيًا كانت طبيعته، ثم أن الشخصية هي صاحبة الفعل والدافعة إلى الحدث وهي مصدر المشاعر التي تمثل لباب القصة الأساسي، ففي القصة القصيرة فرصة مؤكدة لبيان الأحاسيس المضطرمة والخلجات المتوجسة والمشاعر الإنسانية في كل حالات النفس التي تستشعرها مع كل موقف أو مأزق، وقد تم الإشارة إلى أن الشخصية هي الفاعلة المحركة للحدث أيًا كانت طبيعتها.
5. البناء
البناء هو الشكل أو المعمار الفني الذي يميز الأشياء عن غيرها، وهو الصورة العامة للتشكيل الجمالي، ويتكون البناء من مرحلتين هما: البداية والنهاية، فالبداية في القصة تعد أهم مراحل البناء لأنها ليست فقط المراحل التي تطرح فيها الشخصية أفكارها، بل إنها المرحلة التي يتوقف عليها نجاح القصة أو فشلها، فيجب أن تكون بداية القصة مشوقة وذات نبض سريع تجذب القارئ ليُكمل القصة، كما يجب ألا تكون طويلة وألا تكون عباراتها مبهمة، أما النهاية فهي ما يتجمع فيها كل خيوط الحدث ومن ثم يكتسب الحدث معناه الذي سعى الكاتب منذ البداية للوصول إليه، كما أنها ذروة الحدث وعندها يتجلى المعنى ويضئ كل العناصر والبنى التي مهدت له.
6. الأسلوب الفني
هو التقنية الفنية أو الطريقة التي يتم بها تصوير الحدث أو الحالة، ويحتاج الكاتب لتشكيل هذه الصياغة الفنية إلى وسائل عديدة ينفذ بها إلى عالم الشخصية والموقف، وهو أيضًا طريقة المعالجة ووسيلة التناول، وفيه يكمن سر عبقرية القصة وبراعة القاص وحساسيته وموهبته وثروته اللغوية وثقافته وسيطرته على أدواته، وتتعدد الأساليب الفنية بين السرد والحوار واستخدام تقنيات أخرى كالمونولوج والفلاش باك وتيار الوعي فإنهما يناسبان البناء الروائي، وينقسم الأسلوب الفني إلى:
- السرد: هو الوصف أو التصوير، وعماده التراكيب اللغوية، والوصف جزء من الحدث ومن الشخصية ومن كل عناصر القص، ولا يوجد هناك قصة دون سرد أو وصف.
- الحوار: هو المحادثة التي تدور بين شخصية أو أكثر وهو أحد أهم التقنيات الفنية المشاركة في البنية القصصية، لأنه نافذة بليغة يطل منها الصدق وينفذ إلى حنايا القصة، كما أنه وسيلة فنية لتقديم الشخصيات والأحداث والتعريف بها من داخلها.
خصائص القصة
تتميز القصة القصيرة بخصائص محددة بارزة المعالم، ومن هذه الخصائص ما يلي:
- أن تعالج القصة القصيرة موضوعًا واحدًا فقط.
- أن تقتصر على حادثة واحدة أو حلقة محددة أو وضع معين.
- أن تلتزم بطول محدد.
- الوحدة، حيث تشتمل على فكرة واحدة، ولها هدف واحد ولها شخصية رئيسة واحدة وتخلص إلى نهاية منطقية واحدة وتستخدم تقنية واحدة.
- التكثيف، حيث يكون مطلوبًا لتحقيق أعلى قدر من النجاح للقصة القصيرة.
- الدراما، وهي خلق الإحساس بالحيوية والديناميكية والحرارة، حتى لو لم يكن هناك صراع خارجي، ولم تكن هناك غير شخصية واحدة.
القصة والرواية
يوجد عدة فروق بين القصة والرواية، وتتمثل تلك الفروق في:
1. الطول
تتكون الروايات من عدة شخصيات وأحداث متنوعة، وتمتد خلال مدة زمنية كبيرة، وذلك يتطلب صفحات كثيرة قد تتجاوز السبعون صفحة، وفي مقابل ذلك تكون القصة أقصر لأنها تتناول حدث واحد بسيط، وفي العرف الأدبي الحد الأقصى للقصة القصيرة 30 صفحة وهو أقصى طول محتمل وما تجاوز ذلك يعد رواية، أما الحد الأدنى للقصة فلا يقل عن خمس صفحات وإذا قلت عن ذلك أُطلق عليها أقصوصة
2. الرؤية
تعد الرؤية في الرواية نقطة الانطلاق الأساسية في تصور النص الأدبي، أما في القصة فالرؤية تمثل فكرة محددة تقف على رأس نقطة… موقف بسيط يستوقف الكاتب يحس أن له فيه رأيًا وأن له مغزى يستحق أن يفكر فيه ويتأمله
3. الزمن
الرواية تتناول أحد مناطق مجتمع ما، وقد تصف حياة أكثر من مكان أو منطقة لتتبع كافة الأحداث التي تقع بها خلال فترة زمنية طويلة نسبيًا قد تكون شهرًا أو سنة أو عدة سنوات، ومن الروايات ما يطول ليصور أحداثًا تجري على مدى قرن من الزمان، أما القصة القصيرة الفنية الحديثة فلقد تصور موقفًا يستغرق دقائق أو ساعة أو يومًا كاملًا وفي العادة لا يمتد فيها الزمن ليماثل نظيره في الرواية.
4. الشخصية
الرواية تصف حياة مجموعة من البشر في حقبة زمنية معينة، وتحرص على أن تصف كل ما يتعلق بالشخصيات من صور وملامح جسمانية ونفسية وعقلية، كما تشير إلى سلوكهم في المواقف المختلفة، كما أنها تحرص على تتبع تطور الشخصيات الرئيسة تاريخيًا، أما في القصة فيتم تصوير شخصية واحدة أو على الأكثر شخصيتين في موقف بسيط دون أن تعبأ بغيرهما، وتكتفي في رسم صورتيهما بالإيماء إلى الملامح، والإشارة إلى المتميز منها ذي الأثر في سلوك الشخصية ودوافعها النفسية.
5. الحدث
تتوالى الأحداث وتتعدد في الرواية بحيث تكون مترابطة فيما بينها، حيث تبدأ من البساطة إلى التعقيد، كما أن الشخصيات تشارك في الأحداث حسب دورها وأهميتها وذلك لتشكل العالم الخاص بالرواية، أما القصة القصيرة تحتوي على حدث واحد فقط كما أنها قد تقف على لحظة نتجت من حدث ما أو حدث متوقع حدوثه، فإن القصة يمكن أن تكون مجرد تشخيص حالة أو رحلة عابرة في شخصية ما.
6. البناء
يمكن أن يكون المعمار الفني في القصة مماثلًا له في الرواية، لكن حجم الرواية وطولها واتساع عالمها، يبدأ بناء القصة مع أول كلمة، ومعها يشرع الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه، وليس بالإمكان أن نقول ذلك على الرواية إذ أنها متسعة، ومتعددة الجوانب قابلة لاحتواء عدد من الشخصيات والأحداث والأساليب الفنية المعقدة والبسيطة، ومن ثم تصبح البداية فيها مجرد جزء من البناء لا يتسم بأهمية خاصة، لكن البداية في القصة تحمل في اندفاعها الكثير من رؤية العمل وروحه، في حين أنها لا تتطلب نهاية محددة كنهاية الرواية التي كثيرًا ما تكون اضطرارية ومصطنعة.
7. اللغة
يقوم الروائي بدبج عبارات مطولة في تصوير المواقف المختلفة، حيث هناك متسع للعبارات الشعرية والألفاظ الفضفاضة والتكرار المؤكد للمعنى، والاستدعاء المحرض للمشاركة، المستنفر للمشاعر، أما القصة القصيرة فهي نص مكثف إلى أقصى درجة، لا حشو فيه ولا تأكيد ولا تكرار، وربما يسمح بالتشبيه في أضيق الحدود.. الألفاظ مرهفة ومسنونة بلا تزيد، وليس هناك مجال لاستعراض ثروة الكاتب اللغوية.
8. المكان
تعدد الأحداث في الرواية يستلزم تعدد الأماكن، فالسفر والأحداث، وتغير أماكن الشخصيات تستلزم التنقل بين مواضع مختلفة وتحتاج وصفًا يساهم في تصوير المكان الذي تجري فيه الأحداث، ويمكن للروائي أن يستغرق في وصف مكان متميز عددًا كبيرًا من الصفحات، أما القصة القصيرة فطبيعة زمانها وشخصياتها وحدثها الوحيد البسيط لا تحتمل إلا مكانًا واحدًا، وربما لا تتناول غير جانب منه كأن يكون شرفةً أو حقلًا.
9. الأسلوب
الأسلوب هو تقنية فنية يستعين به الروائي في طرح أفكاره، وفي مجال الرواية يحتاج الروائي أن يدخل عالمًا واسعًا يتواجد فيه عدد من الشخصيات التي تنتج أحداثًا تجري في مكان وزمان متعاقب ومتنوع، كما تتطلب سبر أغوار النفوس والتعبير عن أحلامها أو آلامها في مواجهة الآخر، فنجد السرد المتدفق حينًا يعقبه مونولوج داخلي بين المرء ونفسه، وقد يلجأ الكاتب إلى تيار من المشاعر المستعادة والذكريات، وفي القصة القصيرة تختلف المسألة تمامًا، فقد تستخدم تقنية واحدة أو اثنتين لكنها لا تستطيع أن تستخدمها جميعًا لأنها مرتبطة بحدث بسيط أو نقطة ذات مغزى يراد بالكاد تصويرها والإيحاء بدلالتها.
اقرأ أيضًا: