عنترة بن شداد أحد أشهر شعراء العرب في عصر ما قبل الإسلام، اتصف عنترة بحبه للفروسية وإجادتها كما اشتهر بشجاعته وإقدامه وبسالته في المعارك، نظم عنترة الشعر فأجاد وأحسن، وأكثر ما اشتهر به هو غزله العذري العفيف وتشبيبه بابنة عمه ومحبوبته “عبلة بنت مالك”، وفي هذا المقال سنسلط دائرة الضوء على بعض المحطات في حياة عنترة.
عنترة بن شداد
اسمه
- عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة بن عوذ بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر، واسم عنترة مشتق من ضرب الذباب فيقال له العنتر، والعنترة أيضًا هو البسالة في الشدائد والشجاعة في الحرب، وكان عنترة يلقب ب “الفلحاء” من الفلح لكونه يمتلك شقًا في شفته السفلى، كما كان يكنى ب “أبو الفوارس، لفروسيته وبطولته، ويكنى أيضًا ب “أبي المعايش”، و”أبي المغلس” لكونه جريئًا في الغلس، أو لسواده الذي هو كالغلس.
مولده
- ولد عنترة في العام خمس مئة وخمس وعشرون ميلاديًا، في بلاد نجد بشبه الجزيرة العربية.
نشأته
- عانى عنترة في بداية حياته من الرِّق والعبودية، فذاق المهانة والحرمان وضيق العيش، والسبب في ذلك أنه ولد لأمة من بلاد الحبشة تدعى “زبيبة ررغر” التي كانت أميرة في قومها إلى أن أسرت في هجمة حدثت على قافلتها، وعندما رآها “شداد” والد عنترة الذي كان سيدًا في قومه أعجب بها وأنجب منها عنترة الذي ورث الرِّق من أمه، حيث كانت العرب لا تلحق أبناءها من الإماء بنسبها إلا إذا أظهروا شجاعة وبطولة أو إجادة الشعر.
- كان لعنترة إخوة عبيد من أمه وهم (جرير، وشيبوب)، وأخت واحدة تدعى “عزة”، وقد تزوج عنترة بثمان نسوة، منهن: (الهيفاء، ومريم، ودر ملك)، أنجبن منهن ما يزيد عن عشرة أولاد من بينهم غير الأشقاء، منهم: (جار المعلم، وزيدان، وميسرة، والغضنفر، والجوفران، وعنيتره).
صفاته
- ورث عنترة بعض الصفات الشكلية من والدته والبعض الآخر من والده فكان أسود البَشَرَة أفلح الشفتين لأمه، كبير الشدقين، ضخم البنية، متلفلف الشعر، عبوس الوجه، شديد المنكبين، صلْب العظام، طويل القامة لأبيه.
- أما عن خصاله فقد عرف عنترة بين العرب بأخلاقه الحميدة، ولينه وحلمه، فعلى الرغم من قوته وشدة بطشه في الحروب فإنه كان لين الطباع سمح الخصال فضلًا عن شجاعته وإقدامه وبسالته الشديدة حتى ذاع صيته بين القاصي والداني.
- وقد نقل عن أحدهم أن رجلًا قال لعنترة: “أنت أشجع النّاس وأشدّها”، قال: “لا”، قيل: “فبمَ إذن شاع لك هذا في النّاس؟” قال عنترة: “كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزمًا، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا، ولا أدخل موضعًا لا أرى لي منه مخرجًا، وكنت أعتمد الضّعيف الجبان فأضربه الضّربة الهائلة يطير لها قلب الشّجاع فأثني عليه فأقتله”.
- وفيما روي عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه أنشد شعر عنترة:
وَلَقَد أَبِيتُ عَلَى الطَّوى وَأَظَلُّهُ ٭٭٭ حَتّى أَنَالَ بِهِ كَرِيمَ المَأكَلِ
وأكمل _صلى الله عليه وسلم_ قائلًا: “ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلّا عنترة”
تخلصه من العبودية
- قام “بنو عبس” بغزو قبيلة عربية تدعى “طيء” فسلبوا أموالهم واستاقوا إبلهم وخيراتهم وكان من بينهم “عنترة”، وعند تقاسم الغنائم انتقص القوم من نصيب عنترة وقرروا لها نصيب العبد منها وهو النصف فأبى عنترة ذلك، وعندما أرادت قبيلة “طيء” الثأر مع بعض أحياء العرب، حينها تقاعس عنترة عن الهجوم واكتفى بالدفاع والزود عن نفسه.
- ولما اشتد الخطب على “بنو عبس” وكادت أن تسلب منها جميع خيراتها وأموالها طلب والد عنترة “شداد” منه أن يشترك معهم في الزود عن القبيلة، قائلًا: “كُرّ يا عنترة!”، فأجاب عنترة على نداء أبيه: “لا يحسن العبد الكر إلا الحلاب والصر”، حينها فقط اضطر والده أن يمنحه اعتباره وأن يعطيه حريته فصاح به: “كُرّ وأنت حر”. فكرّ عنترة وأخذ يحارب ويهاجم وهو ينشد قائلًا:
أنا الهَجِينُ عَنْتَرَةْ ∴ كلُّ امرئٍ يَحْمِي حِرَه
أَسْوَدَهُ وَأَحْمَرَهْ ∴ والشَّعَرَاتِ المُشْعَرَةْ
واستمر عنترة بالقتال حتى كان النصر لبني عبس فاحتفلت القبيلة بعنترة وكرمته.
شعره
- ترك عنترة بن شداد شعرًا غزيرًا يمتاز بعذوبة الأسلوب وسهولة الألفاظ ورقة المعاني وجزالتها، كما يمتاز بتنوعه واختلاف الموضوعات التي قال فيها، حيث نظم عنترة شعرًا في: (الهجاء، الوقوف على الأطلال، وقد أكثر في الغزل العفيف والحماسة والفخر).
أبرز قصائد عنترة بن شداد
- قصيدة “سلِ يا عبلة الجبلين عنا”.
- قصيدة “أتاني طيف عبلة في المنام”.
- قصيدة “هذه نار عبلة يا نديمي”.
- قصيدة “عفت الديار وباقي الأطلال”.
- قصيدة “قف بالمنازل إن شجتك ربوعه”.
- قصيدة “إذا كشف الزمان لك القناع”.
- قصيدة “إني أنا عنترة الهجين”.
- قصيدة “هديكم خير أبا من أبيكم”.
- ولعل أشهر قصيدة قد نظمها عنترة هي معلقته، حيث ذكر أن رجلًا سب عنترة بسواده وسواد أمه وأنه لا يقول شعرًا فردى عليه عنترة قائلًا: “والله إن الناس ليترافدون الطعمة فمَا حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك مرفد الناس، وإن الناس ليدعون في الغارات فيعرفون بتسويمهم فمَا رأيتك في خيل مغيرة في أوائل الناس قط، وإن اللبس ليكون بيننا فمَا حضرت أنت ولا أبوك ولا جدك خِطَّة فصل، وإني لأحضر اللبس وأوفي المغنم وأعف عند المسألة وأجود بما ملكت يدي وأفصل الخِطَّة الصماء وأما الشعر فستعلم”، وبعدها غاب عنترة حينًا ثم خرج على الناس بمعلقته الشهيرة التي مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم ∴ أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ∴ وعمي صباحًا دار عبلة و اسلمي
فوقفت فيها ناقتي و كأنها ∴ فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
وتحل عبلة بالجواء و أهلنا ∴ بالحزن فالصمان فالمتثلم
حييت من طللٍ تقادم عهده ∴ أقوى و أقفر بعد أم الهيثم
حلت بأرض الزائرين فأصبحت ∴ عسرًا علي طلابك ابنة محرمٍ
علقتها عرضًا و أقتل قومها ∴ زعمًا لعمر أبيك ليس بمزعم
ولقد نزلت فلا تظني غيره ∴ مني بمنزلة المحب المكرم
كيف المزار و قد تربع أهلها ∴ بعنيزتين و أهلنا بالغيلم
إن كنت أزمعت الفِرَاقَ فإنما ∴ زمت ركابكم بليلٍ مظلم
ما راعني إلا حمولة أهلها ∴ وَسْط الديار تسف حب الخمخم
فيها اثنتان و أربعون حلوبةً ∴ سودًا كخافية الغراب الأسحم
والجدير بالذكر أن العرب كانت تطلق على ملعقة عنترة “المذهبة”.
بعض الأغراض الشعرية لشعر عنترة بن شداد
كما ذكرنا سلفًا أن الأغراض الشعرية التي نظم فيها عنترة شعرًا متنوعة، منها ما يلي:
- الفخر: كانت قصائد الفخر لتي ينظمها عنترة تمثل له أهمية بالغة حيث كان يتخذها سلاحًا في أشد معاركه عنفًا كما كان يراها وسيلة في الحصول على حريته وانتزاع نسبه من أبيه والتمكن من الرد على أعدائه، فكان يصور نفسه بالفارس المغوار دائم الانتصار في المعارك والحريص على قبيلته وأمرها، كما كانت أشعار عنترة في الفخر تتصف بالقوة والحماسة، ومنها ما يلي:
وقوله أيضًا:
- البكاء على الأطلال: كان عنترة وفيًا لعادة الشعراء العرب، حيث كانت العرب تفتتح قصيدتها بالوقوف على الأطلال ووصف دار المحبوبة، فقد كان عنترة يعدّ تلك الظاهرة أصدق طريقة يعبر بها عن مشاعره تجاه محبوبته وحنينه لها، فكان يقف عند الديار التي سكنتها محبوبته ويطلب منها أن تحدثه وتخبره بأخبار ساكنتها التي غابت عنها، وكان عنترة يميل إلى الإطالة والتكرار كعادة الشعراء الآخرين، ومن قول عنترة في الوقوف على الأطلال:
يا دارُ أينَ ترَّحلَ السُّكانُ ∴ وغدتْ بهم من بعدنا الأظعانُ
بالأمسِ كان بكِ الظباءُ أوانسًا ∴ واليومَ في عرصاتكِ الغربان
يا طائر البان قد هيَّجتَ أشجاني ∴ وزِدْتَني طربًا يا طائرَ البانِ
إن كنتَ تندب إلفًا قد فجعتَ بهِ ∴ فقد شجاكَ الذي بِالبينِ أشجاني
- الغزل: أكثر ما اشتهر به عنترة بن شداد من شعر هو الغزل العفيف النابع من الولعة والشوق والتعبير عن الوجدان والعاطفة، فكان عنترة يحب ابنة عمٍ له تدعى “عبلة”، فنظم فيها أشعار غزلية عفيفة تبرز عاطفته الصادقة والقوية نحوها وأشواقه العميقة ولوعته للقائها، ومن قول عنترة في الغزل قصيدته التي أسماها “هاج الغرام فدر بكأس مدام” ومطلعها:
هاجَ الغَرامُ فَدُر بِكَأسِ مُدامِ ∴ حَتّى تَغيبَ الشَمسُ تَحتَ ظَلامِ
وَدَعِ العَواذِلَ يُطنِبوا في عَذلِهِم ∴ فَأَنا صَديقُ اللَومِ وَاللُوّامِ
يَدنو الحَبيبُ وَإِن تَناءَت دارُهُ ∴ عَنّي بِطَيفٍ زارَ بِالأَحلامِ
فَكَأَنَّ مَن قَد غابَ جاءَ مُواصِلي ∴ وَكَأَنَّني أومي لَهُ بِسَلامِ
وَلَقَد لَقيتُ شدائدًا وَأَوابِد ∴ حَتّى اِرتَقَيتُ إِلى أَعَزَّ مَقامِ
وَقَهَرتُ أَبطالَ الوَغى حَتّى غَدَو ∴ جَرحى وَقَتلى مِن ضِرابِ حُسامي
ما راعَني إِلّا الفِراقُ وَجَورُهُ ∴ فَأَطَعتُهُ وَالدَهرُ طَوعُ زِمامي
هل تزوج عنترة بن شداد وعبلة أم فرقهما القدر؟
- كان لعنترة ابنة عم من أجمل نساء قبيلتها وأشهرهن صيتًا في جمال الوجه وكمال العقل تدعى “عبلة بنت مالك”، فأحبها عنترة حبًا شديدًا، وعندما تقدم عنترة إلى عمه بطلب ابنته “عبلة” للزواج، لكن عمه أبى أن يزوج ابنته من رجل أسود، ويحكى أن أباها طلب من عنترة ألف ناقة من نوق “النعمان بن المنذر” المعروفة بالعصافير مهرًا لابنته؛ تعجيزًا لعنترة حتى يغلق جميع السبل في وجهه.
- ولكن عنترة خرج في طلب تلك النوق حتى يفوز بزواج عبلة، ولما أحضرها طلب عمه منه المزيد من الصعاب، حتى أنه فكر في أن يتخلص من عنترة فعرض على فرسان القبائل الزواج منها وحدد أن يكون مهرها رأس عنترة.
- ولم يرد ما يؤكد خبر زواج عنتر من عبلة أو حتى ينفيه، فقيل أن عبلة تزوجت من أحد فوارس العرب وأن أباها وأخاها قد رأبوا دون زواجها من عنترة، وقيل أن عنترة قد تمكن من الزواج من عبلة، وذلك لعدة أسباب منها أنه كان أشهر فرسان القبائل آنذاك وأكثرهم شجاعة وإقدام، سبب آخر أنه قد لحق نسبه بنسب أبيه فزالت عنه العبودية وأصبح ابن عم لعبلة.
ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن عنترة بن شداد؟
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أنشد بيتًا من شعر عنترة يقول فيه: “ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنتال به كريم المأكل”، وأكمل صلى الله عليه وسلم قائلًا: “ما وصف لي أعرابيًا قط فأحببت أن أراه إلا عنترة”.
متى توفي عنترة بن شداد؟
- توفي عنترة بن شداد في عام ست مئة وخمس عشر ميلاديًا عن عمرٍ يناهز تسعين عامًا تقريبًا.
- وقد روى أبو الفرج الأصبهاني في كتابه الأغاني عن سبب وفاة “عنترة بن شداد” أنه دخل في هجمة على “بني نبهان” من قبيلة “طيء”، فطرد لهم عنترة طريدة وهو كبير السن، فأصبح يرتكز وهو يطردها قائلًا: “آثار ظُلمان بقاعٍ محربٍ”، يقول صاحب الأغاني: “وكان زرّ (وقيل وزر) بن جابر النبهاني في فتوّة، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه (أي ظهره)، فتحامل بالرمية حتى أتى أهله، فقال وهو مجروح:
وإنّ ابن سلمى عنده فاعلموا دمي ∴ وهيهات لا يُرجى ابن سلمى ولا دمي
يحلّ بأكناف الشعاب وينتمي ∴ مكان الثريّا ليس بالمتهضّم
رماني ولم يدهش بأزرق لهذمٍ ∴ عشيّة حلّوا بين نعفٍ ومخرمٍ
- وقد ذهب ابن الكلبي: إلا أن قاتل عنترة هو “وزر بن جابر النبهاني الطائي”.
وختامًا، تناولنا في هذا المقال الحديث عن “عنترة بن شداد” في البداية قمنا بالتعريف عن عنترة فذكرنا نسبه ومولده ونشأته وصفاته، ثم انتقلنا للحديث عن تخلصه من الرق، وعن حبه لابنة عمه “عبلة بنت مالك”، ثم انتقلنا للحديث عن شعره وعن أبرز قصائده التي نظمها، مرورًا ببعض الأغراض الشعرية التي قال فيها، وأخيرًا ذكرنا بعض التفاصيل حول وفاته.
اقرأ أيضًا: