مصعب بن عمير.. كان أنعم غلام بمكة، وأجوده حُلّة مع أبويه، كان يتصف بوضاءة الوجه وإشراق الجبين، وصوته العذب، وسماحة الخلق، وصفاء الطبع، وكانت أمه تُفيض عليه حبًا وحنانًا وتخصه بعنايتها، وكان أعطر أهل مكة، وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:” ما رأيت بمكة أحسن لمة (شعر الرأس)، ولا أنعم من مصعب بن عمير.

مصعب بن عمير (اسمه ونسبه)

هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصيّ ابن كلاب بن مرة القرشي العبدري، وكنيته أبا عبد الله، ولد ببيت من بيوت سراة بني عبد الدار لأبوين شريفين، أما أبوه فـ “عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار” كان في الذروة من قومه جاهًا ومالًا.

وأما أمه فـ “خناس بنت مالك” كانت تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تُھاب إلى حد الرهبة ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى أمه، فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحراءها، استحالت ھول يقارعه ويصارعه، لاستخف به مصعب إلى حين، أما خصومة أمه، فهذا هو الهول الذي لا يطاق، ولقد فكر سريعًا، وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمرا. وظل يتردد على دار الأرقم، ويجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين بإيمانه، وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه.

وكانت كثيرة المال، ترعى أولادها أحسن رعاية، وتكسوهم أحسن ما يكون من الثياب وأرقها، وكان لـمصعب عندها مكانة ممتازة، فقد كان أعطر أهل مكة وأجملهم.

كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، ومن خيار الصحابة وفضلاءهم أسلم ورسول الله في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفًا من أمه وقومه، وكان يذهب إلى رسول الله سرًا حتى بَصُر به عثمان بن طلحة العبدري يصلي فأخبر أمه وأهله، فأخذوه فحبسوه، فلم يزل محبوسًا حتى هاجر إلى الحبشة، وعاد من الحبشة إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة بعد العقبة الأولى ليعلم الناس القرآن، ويُصلي بهم.

 هل كان الصحابي مصعب بن عمير يشبه النبي محمد؟

كان الصحابي الجليل مصعب بن عمير شديد الشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي غزوة أحد قتَله ابن قميئة برمح وجهه في صدره حيث ظن أنه قتل النبي ونادى في الناس أن “قتلت محمدًا”.

إسلام مصعب بن عمير

أسلم مصعب حين كانت الدعوة في مرحلتها الأولى تعاني الصعاب وتواجه عناد المشركين وأذاهم، وقد ترك حياة الترف بكل ما فيها وراء ظهره وأقبل على الله في تجرد تام، وكان مصعب يعلم أن طريق الدعوة في هذا الظرف طريق شاق محفوف بالمكاره، مملوء بالصعاب، وأن النصر الذي وعد الله به عباده لن يأتي إلا في موعده الخفي مع الغيب، وفق قضاء الله وقدره وحكمته.

حين كانت مكة تمسى وتصبح ولا هم لها، ولا حديث يشغلها إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه، كان مصعب أكثر الناس استماعًا لهذا الحديث، وذلك رغم حداثة سنه، كان يحرص على حضور المجالس والندوات ولقد سمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه يجتمعون في دار الأرقم بن أبي الأرقم فلم يتردد في الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مصعب يذهب إلى دار الأرقم خفيه حتى لا تعلم أمه وأهله، ولكن عثمان بن طلحة أبصر به وهو يدخل خفية إلى دار الأرقم، ثم رآه مرة أخرى وهو يُصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم فأخبر أم مصعب بهذا الخبر الذي أفقدها صوابها.

وقد وقف مصعب أمام أمه وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته القرآن الذي يغسل القلوب، وهمت أمه أن تسكته بلطمة قاسية، ولكن يدها استرخت أمام نور وجهه وبهائه، ثم قامت بأخذه إلى ركن من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه إغلاقه، وظل رهين محبسه، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه والحراس، وهاجر إلى الحبشة مع المهاجرين.

مصعب بن عمير أول سفراء الإسلام

لقد اختار النبي محمد صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير لأعظم مهمة حينها، أن يكون سفيره إلى المدينة، ليُفقه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم عند العقبة، وليُعد المدينة ليوم الهجرة العظيم، ولقد كان في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاهًا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اختار مصعب لأخطر القضايا، وألقى بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دارًا للهجرة، وحمل مصعب الأمانة وذهب إلى المدينة فغزا أفئدة أهلها بإخلاصه وترفعه، فدخلوا في دين الله أفواجا.

لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلمًا ھم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة، ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا إلى دعوته، وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة، كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم، كان عدد أعضائه سبعين مؤمنًا ومؤمنة، جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم “مصعب بن عمير”.

لقد أثبت “مصعب” بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صائبًا في اختياره له، فلقد فهم مصعب رسالته تمامًا ووقف عند حدودها  وعرف أنه داعية إلى الله تعالى، ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس إلى الهدى وإلى صراط مستقيم وأنه كرسوله صلى الله عليه وسلم ليس عليه إلا البلاغ، لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحًا منقطع النظير، نجاحًا هو له أهل، وبه جدير.

وفاة مصعب بن عمير

جاء في شرح البخاري للإمام العيني أن مصعب بن عمير قُتل يوم أحد على يد ابن قمئة وهو ابن أربعين سنة أو أزيد شيئًا، فاستشهد في عمر الزهور كما أسلم في عمر الزهور.

يقول ابن سعد: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال: [حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وهو فارس، فضربه على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء]، وبعد انتهاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدًا، وقد أخفى وجھه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية، وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها، وقال صلى الله عليه وسلم: ” أنا شهيد على هؤلاء، أنه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمي جرحه، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، انظروا أكثر هؤلاء جمعًا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه في القبر”، ولما مر على مصعب بن عمير الشهيد وقف عليه ودعا له وقرأ ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا”، ثم قال: “أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه”.

المراجع

  • حياة مصعب بن عمير لمحمود شلبي.
  • رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم لخالد محمد خالد.

اقرأ أيضًا:

Leave a Comment