أبو الطيب المتنبي الشاعر العباسي

من هو المتنبي وقصة بيت الشعر الذي تسبب في مقتله

المتنبي… هو شاعر عباسي حكيم امتلك من البلاغة والفصاحة ما جعله مصدر إلهام لكثير من الشعراء والأدباء في عصره وحتى يومنا هذا، يتصف لمتنبي بثقل موهبته الشعرية التي أتاحت له من المكانة السامية ما لم تتاح لأحدٍ غيره من شعراء الإسلام.

أبو الطيب المتنبي

اسمه

  • أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي أبو الطيب المتنبي.

  • لقب أبو الطيب بهذا الاسم “المتنبي”؛ لما ورد عنه من أخلاق حميدة وصفات سمحة، فكان ينأى بنفسه عن الفواحش منصرفًا إلى العلم، آخذًا نفسه بالجد، لا تشغله سفاسف الأمور.

  • وما ورد من سبب تسميته بالمتنبي من ادعائه النبوة، وسجن والي حِمَّص له عقابًا لما ادعاه في بداية شبابه، فتلك الرواية ملفقة لا أساس لها من الصحة.

مولده

  • ولد أبو الطيب المتنبي عام ثلاث مئة وثلاثة للهجرة الموافق تسع مئة وخمسة عشر ميلاديًا، نشأ في الكوفة في قبيلة تدعى “كندة”، وإليها ينسب.

نشأته

ولد ونشأ المتنبي في الكوفة في قبيلة “كندة”، لم يأت المتنبي بذكر أبيه في ديوانه قط فلم يمدحه أو يرثه حين موته، بالإضافة إلى أنه لم يرد ذكر أمه في شعره فلا يعرف لها نسب ولا من أي بلد هي، وقد نقل أن جدته لأمه هي من تولت رعايته بعد وفاة والدته فعطفت عليه وأحبته حبًا شديدًا واهتمت به حتى قوي واشتد عوده وصار شابًا، وقد ذكر بعض الرواة أن جدته تلك من الكوفة وتنسب إلى “بني همدان”، ولكن المتنبي لم يذكر نسبها في أي من أشعاره بل اكتفي بالإشارة إلى أن نسبها كان كريمًا، فقد رثاها حين وفاتها قائلًا:

لَوْ لمْ تَكُوني بِنْتَ أكْرَمِ والِدٍ              ∴              لَكانَ أباكِ الضّخْمَ كونُكِ لي أُمّا

وصفه

  • كان المتنبي شجاعًا، صاحب طموح، ذا كبرياء، محبًا للمغامرات، اشتهر بذكائه واجتهاده، ظهرت حدة موهبته في الشعر منذ نعومة أضافره، حيث نظم الشعر وهو ابن تسع سنوات، اشتهر باعتزازه بعروبته ويتفاخر بنفسه، وكانت له مكانة سامية بين العرب فكان يوصف بأنه نادرة زمانه، ويعده بعض النقاد أحكم من قال شعرًا من العرب بعد الإسلام.

علم المتنبي

  • كان لدى المتنبي شغف بالغ نحو العلم والأدب، فتلقى علوم اللغة العربية المختلفة من نحو وشعر وبلاغة عن طريق كتَّاب التحق هو وبعضٍ من أبناء الأشراف وأصحاب المكانة العالية، بالإضافة إلى ملازمته للورَّاقين كي يستطيع أن ينهل من كتبهم ويعد هذا أكثر ما أكسب المتنبي علمه، كذلك كان يتميز بذكائه الحاد وقوة حفظه.
  • ولعل أكثر ما أكسب المتنبي فصاحته وشجاعته وتمكنه الشديد من اللغة العربية هو إقامته في البادية ما يزيد عن عامين اختلط فيهما بالأعراب، حتى أكثر من نقل لغاتهم والاطلاع على الغريب والوحشي بها، كما ساعده في ذلك كونه يجيد الرواية يحسن النقد.
  • ولم يكتفِ المتنبي بالعلم الذي تلقاه عن طريق الكتاب أو تحصله من نزوله البادية وعاشرته الأعراب، بل كان يتصل بعلماء زمنه ويسافر إليهم ويسعى لمصاحبتهم، وأخذ العلم عنهم، فتقابل مع علماءِ كثر، أمثال: (السكّري، ونفطّويه، وأبي بكر محمد بن دريد، وأبي القاسم عمر بن سيف البغداديّ، وأبي عمران موسى).

شعر المتنبي

  •  يتميز شعر المتنبي بقوة الصياغة وإحكامها، وفصاحة اللغة وبيانها، كما يتميز أيضًا بخلوه من التكلف والصنعة والركاكة، ومن أفضل ألوان الأدب التي ألقى المتنبي فيها شعرًا مثقلًا: (شعر الأمثال السائرة والحكم، فلسفة الحياة، ووصف المعارك، وأكثرهم المدح).
  • كما اتصف شعر المتنبي باعتماده على التجربة الصادقة، حيث يمثل شعره نموذج حقيقي وصادق عن حياته بما فيها من رِحْلات وتنقلات وثورات واضطرابات، حيث إن المتنبي اتخذ شعره كوسيلة يبث بها رضاه وسخطه وطموحه وعلمه وشجاعته وعقله ومذاهبه وآرائه.

أغراضه الشعرية

ألقى المتنبي شعرًا غزيرًا، حيث يبلغ عدد قصائده ثلاث مائة وست وعشرون قصيدة، كما يتميز شعره بالتنوع فيشمل معظم ألوان الأدب العربي، من أشعاره ما يلي:

  • المدح: تبلغ قصائد المدح التي نظمها المتنبي ثلث شعره أو يزيد، ومن قصائده في مدح سيف الدولة الحمداني:

          وقفت وما في الموت شكٌّ لواقف        ∴           كأنك في جَفْن الرَّدى وهو نائم

          تمر بك الأبطال كَلْمَى هزيمـةً            ∴               ووجهك وضاحٌ، وثغرُكَ باسم       

         تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى          ∴           إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالم

وكان مطلع القصيدة:

        عَـلَى قَـدرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ      ∴       وتَــأتِي عَـلَى قَـدرِ الكِـرامِ المَكـارِم

        وتَعظُـم فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها        ∴       وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ

  • الوصف: برع المتنبي في وصف الحروب والمعارك البارزة التي نشبت في عصره بالأخص ما حدث في حضرة بلاط سيف الدولة، فكانت قصائده في الحروب مرجع لكثير من المؤرخين، كما أجاد وصف الطبيعة والشعوب وأخلاق الناس، ومن قصيدته في وصف شعب بوان “وهو منتزه بالقرب من شيراز”:

مَغَاني الشِّعْبِ طِيبًا في المَغَاني      ∴            بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ
وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا                  ∴           غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ
مَلاعِبُ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا                  ∴            سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ
طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالخَيلَ حتى               ∴        خَشِيتُ وَإنْ كَرُمنَ من الحِرَانِ
غَدَوْنَا تَنْفُضُ الأغْصَانُ فيهَا                ∴          على أعْرافِهَا مِثْلَ الجُمَانِ
فسِرْتُ وَقَدْ حَجَبنَ الحَرّ عني             ∴          وَجِئْنَ منَ الضّيَاءِ بمَا كَفَاني
وَألْقَى الشّرْقُ مِنْهَا في ثِيَابي           ∴             دَنَانِيرًا تَفِرّ مِنَ البَنَانِ
لها ثمر تشـير إليك منـه                   ∴             بأَشربـةٍ وقفن بـلا أوان
وأمواهٌ يصِلُّ بها حصاهـا                   ∴          صليل الحَلى في أيدي الغواني
إذا غنى الحمام الوُرْقُ فيها              ∴             أجابتـه أغـانيُّ القيـان

ومما ورد عن المتنبي في وصف ناقته:

ألا كل ماشية الخيزلى                  ∴                فدى كل ماشية الهيذبى
وكل نجاة بجاوية                          ∴          خنوف وما بي حسن المشى
ضربت بها التيه ضرب القما              ∴                           فإما لهذا وإما لذا
إذا فزعت قدمتها الجياد                  ∴               وبيض السيوف وسمر القنا

وفي قصيدة له يصف فيها منازل مصر التي مر عليها في طريقه، قائلًا:

وجابت بُسيطة جوب الرَّداء               ∴                      بين النَّعَام وبين المها
إلى عُقدة الجوف حتى شَفَت           ∴                  بماء الجُرَاوِيّ بعض الصدا
ولاحَ لها صورٌ والصَّبَاح                       ∴                   ولاحَ الشَّغور لها والضَّحَا

  • الهجاء: لم يقل المتنبي شعرًا كثيرًا في الهجاء، فدائمًا ما كان يأتي هجاؤه في صورة حكم تمثل قواعد عامة أو أخلاق حميدة أو مبادئ، وأحيانًا كان يلجأ إلى التهكم والسخرية فيسيغ ألقاب تحمل موسيقاها المعنى الذي يريده، كما كان يلجأ في بعض أحيان سخطه وغضبه إلى الهجاء اللاذع، حيث قال في هجاء مجموعة من الشعراء كانوا ينكرون عليه منزلته:

أفي كل يوم تحت ضِبني شُوَيْعرٌ          ∴       ضعيف يقاويني، قصير يطاول
لساني بنطقي صامت عنه عادل          ∴   وقلبي بصمتي ضاحكُ منه هازل
وأَتْعَبُ مَن ناداك من لا تُجيبه               ∴     وأَغيظُ مَن عاداك مَن لا تُشاكل
وما التِّيهُ طِبِّى فيهم، غير أنني             ∴      بغيـضٌ إِلىَّ الجاهـل المتعاقِـل

ومما ورد عن المتنبي في هجاء كارفور:

من أية الطرق يأتي مثلك الكرم            ∴         أين المحاجم يا كافور والجلم
جازا الأولى ملكت كفاك قدرهم            ∴             فعرفوا بك أن الكلب فوقهم
سادات كل أناس من نفوسهم             ∴        وسادة المسلمين الأعبد القزم
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم             ∴         يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
ألا فتى يورد الهندي هامته                 ∴         كيما تزول شكوك الناس والتهم
فإنه حجة يؤذي القلوب بها                  ∴         من دينه الدهر والتعطيل والقدم
ما أقدر الله أن يخزي خليقته                ∴         ولا يصدق قوما في الذي زعموا

  • الحكمة: أكثر ما اشتهر به المتنبي بعد المدح هو شعر الحكمة، حيث كان ينظمها في صورة أمثال، ومن شعره في الحكمة وفلسفته في الحياة ما يلي:

إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ                  ∴                 فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ                  ∴               كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ                  ∴                  وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلًا صَحيحًا                 ∴                   وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ                        ∴                   على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ

ما هو بيت الشعر الذي تسبب بمقتل المتنبي؟

من إحدى قصائد المتنبي في فن الهجاء الشديدة اللهجة قبيحة الألفاظ التي تنال من الشرف تلك القصيدة التي هجا فيها ضبة بن يزيد الأسدي العيني (وكان من المعروف عنه قطع الطرق ونهب القرى وسلب المسافرين، وقد وصل به الأمر إلى نهب الحائر الحسيني بكربلاء)، ومطلع تلك القصيدة هو:

مَا أنصَفَ القَومُ ضبّة وَأمهُ الطرْطبّة          ∴          وإنّما قلتُ ما قُلــتُ رَحمَة لا مَحَبة

فعندما كان المتنبي في طريقه مع جماعة من بينهم غلامه “مفلح” و “محمد” ابنه عائدين إلى الكوفة، خرج عليهم في جماعة “فاتك بن أبي جهل الأسدي” وهو خال “ضبّة بن يزيد الأسدي العيني” الذي هجاه المتنبي، فتقاتل الفريقان فقتل المتنبي وغلامه وابنه في منطقة “النعمانية” جَنُوب. غرب بغداد بالقرب من دير العاقول.

وختامً، تناولنا في هذا المقال الحديث عنن “المتنبي”، في البداية ذكرنا بععض التفاصيل حول مولده ونسبه ونشأته وصفاته، ثم انتقلنا للحديث عن علمه، وكذلك شعره، بالإضافة إلى الأغراض الشعرية والألوان الأدبية التي قال فيها المتنبي شعرًا، وفي النهاية تناولنا قصة مقتله.

اقرأ أيضًا:

Amaal El Nagar
Amaal El Nagar

آمــــال النـــجــــار
حاصلة على ماجستير في المناهج وطرق تدريس اللغة العربية.
خبرة عامين في مجال كتابة المحتوى، أعمل لدى شركة سيرب بلانر، أسعى دائمًا للتطوير والوصول إلى مستوى عالٍ من الاحترافية والمهارة في مجال كتابة المحتوى، يمكنني كتابة محتوى إبداعي متوافق مع معايير seo.

المقالات: 38

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *